عظمة القرآن في كتب السابقين : بعد بيان سبع قصص عن الأنبياء السابقين ، والعبر الكامنة في تأريخ حياتهم ، يعود القرآن مرّة اخرى إلى البحث الذي شرعت به السورة ، بحث عظمة القرآن وحقانية هذا الكلام الإلهي المبين ، إذ يقول : (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ الْعَالَمِينَ).
لذلك تضيف الآية التالية قائلة : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ).
ولو كان القرآن لم يُنزله ملك الوحي «الروح الأمين من قِبَل الله» لم يكن بهذا الإشراق والصفاء والخلو من الخرافات والأساطير والأباطيل.
فالروح هي أساس الحياة ، والأمانة ، هي شرط أصيل في الهداية والقيادة.
أجل ، إنّ هذا الروح الأمين نزل بالقرآن (عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ).
إنّ الهدف من بيان تأريخ السالفين لم يكن مجرّد شرفاً فكرياً ولملء الفراغ ، بل إيجاد الإحساس بالمسؤولية واليقظة ، والهدف هو التربية وبناء شخصية الإنسان.
ولئلا تبقى حجة لأحد ولا عذر ، فإنّ القرآن انزل (بِلِسَانٍ عَرَبِىّ مُّبِينٍ).
والجدير بالذكر أنّ أحد معاني «عربي» هو ذو الفصاحة والبلاغة ؛ وفي هذه الصورة فإنّه ليس المعوّل على لسان العرب ، بل الأساس صراحة القرآن ووضوح مفاهيمه.
والآية التالية تشير إلى دليل آخر من دلائل حقانية القرآن فتقول : (وَإِنَّهُ لَفِى زُبُرِ الْأَوَّلِينَ).
وخاصة أنّ أوصاف هذا النبي العظيم وأوصاف هذا الكتاب السماوي الخالد ، جاءت في توراة موسى عليهالسلام بحيث أنّ علماء بني إسرائيل كانوا يعرفون كل ذلك. لذا فإنّ القرآن يضيف هنا قائلاً : (أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْءَايَةً أن يَعْلَمَهُ عُلَمؤُا بَنِى إِسْرَاءِيلَ).
وواضح أنّه مع وجود اولئك العلماء من بني إسرائيل في ذلك المحيط المليء بالمشركين ، لم يكن من الممكن أن يتحدث القرآن عن نفسه «جزافاً» واعتباطاً ؛ لأنّه كان سيردّ عليه من كل حدب وصوب بالإنكار ، وهذا بنفسه دليل على أنّ هذا الموضوع كان جليّاً في ذلك المحيط ، بحيث لم يبق مجال للإنكار حين نزول الآيات ـ محل البحث.
(وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) (٢٠٣)