تهمة اخرى للقرآن : حيث إنّ الآيات المتقدمة ختمت بجملة (هَلْ نَحْنُ مُنظَرُونَ) التي يقولها المجرمون عندما يأتيهم العذاب بغتة وهم على أبواب الهلاك ، طالبين الإمهال والرجوع للتعويض عما فاتهم من الأعمال ، فالآيات محل البحث تردّ عليهم عن طريقين :
الأوّل قوله تعالى : (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ).
والآخر أنّه : (أَفَرَءَيتَ إِن مَّتَّعْنهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ). فعلى فرض أنّهم امهلوا ثانية (ولن يُمهلوا بعد إتمام الحجة عليهم) الا يكون عملهم التمتع والتلذذ بالمواهب الماديّة فحسب. وهل يعوّضون عمّا فاتهم؟! كلّا أبداً.
وهنا يثار سؤال وهو أنّه مع الإلتفات إلى أنّ الله عالم بمستقبل كل قوم وجماعة ، فما الحاجة إلى الإمهال؟
ثم أنّ الامم السالفة كذبت أنبياءها واحداً بعد الآخر ، فعلام يأتي الأنبياء منذرين ومبشرين؟!
فالقرآن يجيب على هذا السؤال بأنّ ذلك سنة الله : (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ). فنرسل الأنبياء لهم لإتمام الحجة وتقديم النصح والموعظة ليتذكروا ويستيقظوا من غفلتهم (ذِكْرَى).
ولو كنّا نأخذهم بدون إتمام الحجة ، وذلك بإرسال المنذرين والمبشرين ـ من قِبَل الله ـ لكان ظلماً منّا (وَمَا كُنَّا ظلِمِينَ).
فمن الظلم أن نُهلك غير الظالمين ، أو نهلك الظالمين دون إتمام الحجة عليهم.
ثم يردّ القرآن على إحدى الذرائع أو التُهم الباطلة من قِبَل اعداء القرآن وهي أنّ النبي مرتبط ببعض الجن ، وهو يعلمه هذه الآيات ، والحال أنّ القرآن يؤكّد أنّ هذه الآيات هي من «تنزيل ربّ العالمين».
فيضيف هنا قائلاً : (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيطِينُ).
ثم يبيّن جواب هذه التهمة الواهية التي اختلقها الأعداء ، فيقول : (وَمَا يَنبَغِى لَهُمْ). أي : أنّ محتوى هذا الكتاب العظيم الذي يدعو إلى الحق والطهارة والعدل والتقوى ، ونفي كل أنواع الشرك ، يدلّ دلالة واضحة على أنّه لا شباهة له بأفكار الشياطين وما يلقونه.
ثم إنّ الشياطين ليست لهم القدرة على ذلك (وَمَا يَسْتَطِيعُونَ).
فإذا كانت لهم القدرة فينبغي على سائر من كان في محيط نزول القرآن كالكهنة المرتبطين