بالشياطين أن يأتوا بمثل هذا القرآن ، مع أنّهم عجزوا عن الإتيان بمثله. (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ).
ويستفاد من سائر آيات القرآن أنّ الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء ويسترقون السمع من الملائكة ، فينقلون ما يدور بين الملائكة من مطالب إلى أوليائهم ، إلّاأنّه بظهور نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله وولادته انقطع استراق السمع تماماً ، وزال الإرتباط الخبري بين الشياطين وأوليائهم.
(فَلَا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢١٥) فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢١٦) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (٢١٩) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٢٢٠)
وأنذر عشيرتك الأقربين : تعقيباً على الأبحاث الواردة في الآيات السابقة في شأن مواقف المشركين من الإسلام والقرآن ، فإنّ الله سبحانه يبيّن لنبيّه ـ في الآيات محل البحث ـ منهجه وخطّته في خمسة أوامر ، في مواجهة المشركين.
وقبل كل شيء فإنّ الله يدعو النبي صلىاللهعليهوآله إلى الإعتقاد التام بالتوحيد ؛ التوحيد الذي هو أساس دعوات الأنبياء جميعاً. يقول سبحانه : (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهًاءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ).
ثم يأمره الله في مرحلة اخرى أن ينطلق إلى مدى أرحب في دعوته قائلاً : (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (١).
ولا شك أنّه للوصول إلى منهج تغييري ثوري واسع ، لابدّ من الابتداء من الحلقات الأدنى والأصغر.
أمّا المرحلة الثالثة ، فإنّ الله يوصي النبي في دائرة أوسع فيقول : عليك أن تعامل أتباعك
__________________
(١) «العشيرة» : مشتقة من «العشرة» العدد المعروف [١٠] وحيث إنّ العشرة تعتبر في نفسها عدداً كاملاً ، فقد سمي أقرباء الرجل الذين يكمل بهم عشيرة ، ولعلّ المعاشرة مأخوذة من هذا المعنى ، لأنّها تجعل الناس بصورة مجموعة كاملة.