والذي يجلب النظر هو أنّه بعد بيان هذه الموهبة الكبيرة «العلم» يجري الكلام عن «الشكر» مباشرة ... ليكون واضحاً أنّ كل نعمة لابدّ لها من شكر ، وحقيقة الشكر هو أن يستفاد من النعمة في طريقها الذي خلقت من أجله.
والآية التالية تتكلم على إرث سليمان أباه داود أوّلاً ، فتقول : (وَوَرِثَ سُلَيْمنُ دَاوُودَ).
ثم تضيف الآية حاكية عن لسان سليمان : (وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَىْءٍ إِنَّ هذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ).
وجملة (أُوتِينَا مِن كُلّ شَىْءٍ) فهي تشمل جميع الأسباب اللازمة لإقامة حكومة الله في ذلك الحين.
(وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٨) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩)
سليمان في وادي النمل : يستفاد من آيات هذه السورة ، وآيات سورة سبأ أنّ «حكومة سليمان» لم تكن حكومة مألوفة ، بل حكومة مقرونة بما يخرق العادات والمعاجز المختلفة. وفي الحقيقة فإنّ الله أظهر قدرته في هذه الحكومة وما سخّر لها من قوى. وأوّل ما تبدأ هذه الآيات بقوله تعالى : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمنَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ).
وكانت جنوده من الكثرة بحيث كانوا عند التحرك والمسير ، ومن أجل المحافظة على النظم ، يؤمرون بتوقف مقدمة الجيش لتلحق بها مؤخرتها (فَهُمْ يُوزَعُونَ). «يوزعون» : من مادة «وزع» على وزن (جمَعَ) ومعناه الحبس والإيقاف ، وهذا التعبير متى اطلق على الجند أو الجيش فيعني إيقاف أوّل الجيش ليلحق به آخره ، لكي يحفظ من التشتت والتفرق.
ويستفاد من هذا التعبير أنّ جنود سليمان كانوا كثيرين ، كما كانوا يخضعون للنظم والانضباط.
«حشر» : فعل ماض من «الحشر» على وزن (نشر) ومعناه إخراج الجمع من المقرّ ، والتحرك نحو الميدان للقتال ، وما أشبه ذلك.