إنّ سليمان عليهالسلام تحرك بهذا الجيش العظيم (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِى النَّمْلِ). فخاطبت نملة من النمل أصحابها محذرة ، كما تقول الآية : (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسكِنَكُمْ لَايَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمنُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ).
ويستفاد ضمناً من جملة (لَايَشْعُرُونَ) أنّ عدل سليمان كان ظاهراً وواضحاً حتى عند النمل ، لأنّ مفهوم الجملة أنّ سليمان وجنوده لو شعروا والتفتوا إلى النملة الضعيفة لما وطأوها بالأقدام ، وإذا وطأوها فإنّما ذلك لعدم توجههم والتفاتهم : (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا).
إنّ سليمان توجه نحو الله .. داعياً وشاكراً مستزيداً فضله : (وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِى أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ) (١). أي ، لتكون لي القدرة أن استعمل هذه النعم جميعها في ما أمرتني به وما يرضيك ، ولا أنحرف عن طريق الحق (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضهُ). وهو يشير إلى أنّ بقاء هذا الجيش وحكومته وتشكيلاتها الواسعة غير مهم بالنسبة إليه ، بل المهم أن يؤدّي عملاً صالحاً يرضي به ربّه.
والطلب الثالث الذي طلبه سليمان من ربّه ، كما حكته الآية ، هو أن يجعله في زمرة الصالحين ، إذ قال : (وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ).
(وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (٢٤) أَنْ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (٢٥) اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (٢٦)
قصة الهدهد وملكة سبأ : يشير القرآن في هذا القسم من الآيات إلى جانب آخر من
__________________
(١) «أوزعني» : من مادة «إيزاع» ومعناه «الإلهام» ، أو المنع عن الانحراف ، أو إيجاد العشق والتعلق ، إلّاأنّ أغلب المفسرين إختاروا المعنى الأوّل.