حياة سليمان عليهالسلام المدهشة ، وما جرى له مع الهدهد وملكة سبأ. فيقول أوّلاً : (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ).
وهذا التعبير يكشف هذه الحقيقة ، وهي أنّه كان يراقب وضع البلاد بدقّة ، وكان يتحرى أوضاع حكومته لئلا يخفى عليه غياب شيء ، حتى لو كان طائراً واحداً.
وما لا شك فيه أنّ المراد من الطير هنا هو الهدهد ، لأنّ القرآن يضيف استمراراً للكلام : (فَقَالَ مَا لِىَ لَاأَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ).
ومن أجل أن لا يكون حكم سليمان غيابياً ، وأن لا يؤثر غياب الهدهد على بقية الطيور ، فضلاً عن الأشخاص الذين يحملون بعض المسؤوليات ، أضاف «سليمان» قائلاً : (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَاذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنّى بِسُلْطنٍ مُّبِينٍ).
إنّ سليمان قبل أن يقضي غيابياً ذكر تهديده اللازم في صورة ثبوت التخلف.
وقد برهن «سليمان» ضمناً أنّه ـ حتى بالنسبة للطائر الضعيف ـ يستند في حكمه إلى المنطق والدليل ، ولا يعوّل على القوة والقدرة أبداً.
ولكن غيبة الهدهد لم تطل (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ) عاد الهدهد وتوجه نحو سليمان : (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ).
إنّ الهدهد أخذ يفصّل لسليمان ما حدث فقال : (إِنّى وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَىْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ).
لقد بيّن الهدهد لسليمان بهذه الجمل الثلاث جميع مواصفات هذا البلد تقريباً ، وأسلوب حكومته.
ولما سمع سليمان عليهالسلام كلام الهدهد غرق في تفكيره ، إلّاأنّ الهدهد لم يمهله طويلاً فأخبره بخبر جديد ... خبر عجيب ، مزعج مريب ، إذ قال : (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطنُ أَعْملَهُمْ). فكانوا يفخرون بعبادتهم للشمس وبذلك صدّهم الشيطان عن طريق الحق (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ). وقد غرقوا في عبادة الأصنام حتى أنّي لا أتصور أنّهم يثوبون إلى رشدهم (فَهُمْ لَايَهْتَدُونَ).
ثم أضاف الهدهد قائلاً : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ).
«خبء» : على وزن (صبر) معناها كل شيء خفي مستور ، وهي هنا إشارة إلى إحاطة علم الله بغيب السماوات والأرض ، أي : لِمَ لا يسجدون لله الذي يعلم غيب السماوات