فقد دعتهم وتوجهت إليهم و (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُا إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتبٌ كَرِيمٌ).
وقول الملكة : (إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتبٌ كَرِيمٌ) «أي قيم» لعلّه لمحتواه العميق ، أو لأنّه بُدىء باسم الله أو لأنّه ختم بإمضاء صحيح.
ثم إنّ «ملكة سبأ» تحدثت عن مضمون الكتاب فقالت : (إِنَّهُ مِن سُلَيْمنَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَىَّ وَأْتُونِى مُّسْلِمِينَ).
وبعد أن ذكرت ملكة سبأ محتوى كتاب سليمان لقومها ... التفتت إليهم و (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَفْتُونِى فِى أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ). «أفتوني» : مشتقة من «الفتوى» ، معناها في الأصل الحكم الدقيق والصحيح في المسائل الغامضة والصعبة.
«تشهدون» : مأخوذ من مادة «الشهود» ، ومعناه الحضور ... الحضور المقرون بالتعاون والمشورة.
فالتفت إليها أشراف قومها وأجابوها على استشارتها ف (قَالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ).
وهكذا فقد أظهروا لها تسليمهم وإذعانهم لأوامرها ... كما أبدوا رغبتهم في الإعتماد على القوة والحضور في ميدان الحرب.
ولما رأت الملكة رغبتهم في الحرب خلافاً لميلها الباطني ، ومن أجل إطفاء هذا الظمأ وأن تكون هذه القضية مدروسة ، لذلك : (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً).
ولمزيد التأكيد أردفت قائلةً : (وَكَذلِكَ يَفْعَلُونَ).
إنّ ملكة سبأ التي كانت بنفسها ملكةً ، كانت تعرف نفسية الملوك بصورة جيدة ، وأنّ سيرتهم تتلخص في شيئين :
١ ـ الإفساد والتخريب.
٢ ـ وإذلال الأعزة ...
لأنّهم يفكرون في مصالحهم الشخصية ، ولا يكترثون بمصالح الامة وعزتها ... وهما على طرفي نقيض دائماً.
ثم أضافت الملكة قائلةً : علينا أن نختبر سليمان وأصحابه ، لنعرف من هم وما يريدون؟ وهل سليمان نبيّ حقاً أو ملك؟ وهل هو مصلح أو مفسد؟ وهل يذلّ الناس أم يحترمهم ويعزّهم؟