حضور العرش في طرفة عين : وأخيراً عاد رسل ملكة سبأ بعد أن جمعوا هداياهم وأمتعتهم إلى بلدهم ، وأخبروا ملكة سبأ بما شاهدوه من عظمة مُلك سليمان عليهالسلام المعجز وجهازه الحكومي ، وكل واحد من هذه الامور دليل على أنّه لم يكن كسائر الأفراد ولا ملكاً كسائر الملوك ، بل هو مُرسل من قبل الله حقّاً ، وحكومته حكومة إلهية. لذلك قررت الملكة أن تأتي بنفسها مع أشراف قومها إلى سليمان ، ويتفحصوا عن هذه المسألة ليتعرفوا على دين سليمان؟
فوصل هذا الخبر ـ عن أيّ طريق كان ـ إلى سمع سليمان عليهالسلام ، فعزم على إظهار قدرته العجيبة ـ والملكة وأصحابها في الطريق إليه ـ ليعرفهم قبل كل شيء على إعجازه ، ليذعنوا له ويسلّموا لدعوته ... لذلك التفت إلى من حوله و (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ).
وهنا أظهر شخصان استعدادهما لإمتثال طلب سليمان عليهالسلام ، وكان أمر أحدهما عجيباً والآخر أعجب ، إذ (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنّ أَنَاءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ). فهذا الأمر عليّ يسير ، ولا أجد فيه مشقّة ، كما أنّي لا أخونك أبداً ، لأنّي قادر على ذلك (وَإِنّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ). «العفريت» : معناه المارد الخبيث.
وجملة (وَإِنّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ) المشفوعة بالتأكيدات من عدّة جهات تشر إلى احتمال خيانة هذا العفريت ... لذلك فقد أظهر الدفاع عن نفسه بأنّه أمين وفيّ.
أمّا الشخص الآخر فقد كان رجلاً صالحاً له علم ببعض ما في الكتاب ، ويتحدث عنه القرآن فيقول : (قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتبِ أَنَاءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ).
فلما وافق سليمان عليهالسلام على هذا الأمر ، أحضر عرش بلقيس بطرفة عين بالإستعانة بقوته المعنوية : (فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبّى لِيَبْلُوَنِىءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ).
ثم أضاف قائلاً : (وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ).
الفرق بين «علم من الكتاب» و «علم الكتاب» : في كتاب ينابيع المودة للقندوزي عن أبي سعيد الخدري قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوآله عن هذه الآية (قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ) قال : ذاك وزير أخي سليمان بن داود عليهالسلام. وسألته عن قول الله عزوجل (قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَن عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) قال : «ذاك أخي عليّ بن أبي طالب».
والإلتفات إلى الفرق بين «علم من الكتاب» الذي يعني (العلم الجزئي) و «علم الكتاب»