فتكون شجراً ، هو الله فحسب.
وبتعبير آخر : فإنّ التوحيد في الخلق يؤدّي إلى «توحيد الخالق» ، والتوحيد في الربوبية «توحيد مدبّر هذا العالم» باعث على «توحيد العبادة».
ولذلك فالقرآن يقول في نهاية الآية : (أَءِلهٌ مَّعَ اللهِ) ولكن هؤلاء جهلة عدلوا عن الله وعبدوا ما لا ينفعهم ولا يضرهم (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (١).
والسؤال الثاني بحث عن موهبة استقرار الأرض وثباتها ، وأنّها مقر الإنسان في هذا العالم ، فيقول : هل أنّ أصنامكم أفضل ، (أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِللَهَا أَنْهرًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِىَ) (٢). كما تحافظ على القشرة الأرضية من الزلازل ، كما (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا) ومانعاً من اختلاط البحر المالح بالبحر العذب.
وهكذا فقد ورد في هذه الآية ذكر أربع نعم عظيمة ، ثلاث منها تتحدث عن استقرار الأرض.
ترى هل يمكن أن يكون هذا النظام قد وُلد عن طريق الصدفة العمياء الصمّاء ، والمبدأ الفاقد للعقل والحكمة؟! وهل للأصنام تأثير في هذا النظام البديع المثير للدهشة؟!
حتى عبدة الأصنام لا يدعون مثل هذا الإدعاء! لذلك يكرر القرآن في ختام الآية هذا السؤال : (أَءِلهٌ مَّعَ اللهِ). حاش لله (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَايَعْلَمُونَ).
السؤال الثالث من هذه الأسئلة الخمسة التي تحكي عن محاورة ومحاكمة المعنوية يتحدث عن حلّ المشكلات ، وفتح الطرق الموصدة ، وإجابة الدعاء ، إذ تقول الآية التالية : (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ).
أجل ، عندما تُغلق جميع أبواب عالم الأسباب بوجه الإنسان ، ويغدو مضطراً حيراناً لا حيلة له ، فإنّ الذي يحلّ المعضلة ، ويفتح أبواب الرحمة بوجه الناس المتحيرين ، هو الله لا غير.
وحيث إنّ الناس يدركون هذه الحقيقة بالفطرة في أعماق نفوسهم جميعاً ، فإنّ المشركين
__________________
(١) قد يكون «يعدلون» من مادة «العدول» أي الإنحراف والرجوع من الحق إلى الباطل ، أو أنّه مادة «عِدْل» على وزن (قِشر) ومعناه المعادل والنظير .. ففي الصورة الاولى مفهوم الآية أنّهم ينحرفون عن الله الواحد إلى غيره ، وفي الصورة الثانية مفهومها أنّهم يجعلون له عديلاً.
(٢) «الخلال» : في الأصل معناه الشق بين الشيئين ؛ و «الرواسي» : جمع «راسية» وهي الثابتة.