تعالج هذه المسألة من جوانب شتى ، فتجيب أوّلاً على السؤال الذي يثيره المشركون دائماً ، وهو قولهم : متى تقوم القيامة؟ ومتى هذا الوعد؟ فتقول : (قُلْ لَّايَعْلَمُ مَن فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ).
لا شك أنّ علم الغيب ـ ومنه تاريخ وقوع القيامة ـ خاص بالله ، إلّاأنّه لا منافاة في أن يجعل الله بعض ذلك العلم عند من يشاء من عباده ، كما نقرأ في الآيتين (٢٦ و ٢٧) من سورة الجن : (علِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ).
ثم يتكلم القرآن عن عدم علم المشركين بيوم القيامة وشكهم وجهلهم ، فيقول : (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِى الْأَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ).
«ادّارك» : في الأصل «تدارك» ومعناه التتابع أو لحوق الآخر بالأوّل ، فمفهوم جملة (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِى الْأَخِرَةِ) : أنّهم لم يصلوا إلى شيء بالرغم مما بذلوه من تفكير ، وجمعوا المعلومات في هذا الشأن ، لذلك فإنّ القرآن يضيف مباشرة بعد هذه الجملة : (بَلْ هُمْ فِى شَكٍّ مّنْهَا بَلْ هُم مّنْهَا عَمُونَ). لأنّ دلائل الآخرة ظاهرة في هذه الدنيا ، فعودة الأرض الميتة إلى الحياة في فصل الربيع ، وإزهار الأشجار وإثمارها مع أنّها كانت في فصل الشتاء جرداء ... ومشاهدة عظمة قدرة الخالق في مجموعة الخلق والوجود ، كلها دلائل على إمكان الحياة بعد الموت ، إلّاأنّهم كالعُمي الذين لا يبصرون كل شيء.
والآية التالية توجز منطق منكري القيامة والبعث في جملة واحدة ، فتقول : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَءِذَا كُنَّا تُرَابًا وَءَابَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ).
مع أنّهم كانوا أوّل الأمر تراباً وخلقوا من التراب ، فما يمنع أن يعودوا إلى التراب ، ثم يرجعون أحياءً بعد أن كانوا تراباً.
ثم يحكي القرآن عمّا يضيفه المشركون من قول : (لَقَدْ وُعِدْنَا هذَا نَحْنُ وَءَابَاؤُنَا مِن قَبْلُ) ، ولكن لم نجد أثراً لهذا الوعد ولن يوجد ، (إِنْ هذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، فما هي سوى خرافات وخزعبلات القدماء.
فبناءً على هذا فإنّهم يبدأون من الاستبعاد ثم يجعلونه أساساً للإنكار المطلق.
ويستفاد ـ ضمناً من هذا التعبير ـ أنّهم أرادوا أن يسخروا من كلام النبي في شأن يوم القيامة ، ويطعنوا عليه ، فيقولوا : إنّ هذه الوعود الباطلة سبقت لأسلافنا ، فلا جديد فيها يستحق بذل التفكير والمراجعة.