وحرمة ، وأموراً اخر لا تتمتع بها أية بلدة اخرى في الأرض.
لكن لاتتصوروا أنّ هذه البلدة وحدها لله ، بل له كل شي في عالم الوجود (وَلَهُ كُلُ شَىْءٍ).
والأمر الثاني الذي أمرت به ، هو أن أسلم وجهي له (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ).
وهكذا فإنّ الآية بيّنت وظيفتين أساسيتين على النبي وهما (عبادة الواحد الأحد ، والتسليم المطلق لأمره).
والآية التالية تبيّن أسباب الوصول إلى هذين الهدفين فتقول : (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْءَانَ).
أتلوه فأستضيء بنوره ، وأنتهل من عذب معينه الذي يهب الحياة ، وأن أعول في جميع مناهجي على هديه. أجل ، فالقرآن وسيلتي للوصول إلى هذين الهدفين المقدسين ، والمواجهة لكل أنواع الشرك والإنحراف والضلال ومكافحتها.
ثم تعقب الآية لتحكي عن لسان الرسول وهو يخاطب قومه : لا تتصوروا أنّكم إذا آمنتم انتفعت من وراء ذلك لنفسي ، كما أنّ الله غني عنكم ، بل : (فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ).
وكل ما يترتب على الهداية من منافع دنيوية ، كانت أم اخروية فهي عائدة للمهتدي نفسه والعكس صحيح (وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ).
والأمر الأخير ـ في آخر آية من هذه السورة ـ موجه للنبي أن يحمد الله على هذه النعم الكبرى ، ولا سيما نعمة الهداية فيقول : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ).
هذا الحمد أو الثناء يعود لنعمة القرآن ، كما يعود للهداية أيضاً ، ويمكن أن يكون مقدمة للجملة التالية : (سَيُرِيكُمْءَايتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا).
وهذا التعبير إشارة إلى أنّه مع مرور الزمان وتقدم العلم والمعرفة ، سينكشف كل يوم بعض أسرار عالم الوجود ، ويرفع ستار جديد عنها .. وستعرفون نعم الله وعظمة قدرته وعمق حكمته يوماً بعد يوم .. وإراءة الآيات هذه مستمرة دائماً ولا تنقطع مدى عمر البشر.
إلّا أنّكم إذا واصلتم طريق الخلاف والانحراف ، فلن يترككم الله سدى (وَمَا رَبُّكَ بِغفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
ولا تتصوروا بأنّ الله إذا أخر عقابكم بلطفه ، فهو غير مطلع على أعمالكم ، وأنّها لا تسجل في اللوح المحفوظ.
وجملة (وَمَا رَبُّكَ بِغفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) الواردة بنفسها أو مع شيء من التفاوت اليسير في تسع آيات من القرآن جملة موجزة ، وهي تهديد ذو معنى عميق ، وإنذار لجميع الناس.
«نهاية تفسير سورة النمل»