وتتحمل هذا الحادث الكبير.
وعلى أثر لطف الله أحست امّ موسى بالاطمئنان ، ولكنّها أحبت أن تعرف مصير ولدها ، ولذلك أمرت أخته أن تتبع أثره وتعرف خبره : (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصّيهِ).
«قصّيه» : مأخوذة من مادة «قصّ» ومعناها البحث عن آثار الشيء ، وإنّما سميّت القصة قصةً لأنّها تحمل في طياتها أخباراً مختلفة يتبع بعضها بعضاً.
فاستجابت «اخت موسى» لأمر امّها ، وأخذت تبحث عنه بشكل لا يثير الشبهة ، حتى بصرت به من مكان بعيد ، ورأت صندوقه الذي كان في الماء يتلقفه آل فرعون .. ويقول القرآن في هذا الصدد : (فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ).
ولكن اولئك لم يلتفتوا إلى أنّ أخته تتعقبه : (وَهُمْ لَايَشْعُرُونَ).
وعلى كل حال ، فقد اقتضت مشيئة الله أن يعود هذا الطفل إلى امّه عاجلاً ليطمئن قلبها ، لذلك يقول القرآن الكريم : (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ) (١).
وطبيعي أنّ الطفل الرضيع حين تمر عليه عدة ساعات فإنّه يجوع ويبكي.
كان عمال القصر يركضون من بيت لآخر بحثاً عن مرضع له ، والعجيب في الأمر أنّه كان يأبى أثداء المرضعات.
وهذا هو التحريم التكويني من قبل الله تعالى إذ حرّم عليه المراضع جميعاً.
والطفل يبكي وعمال فرعون يدورون به بحثاً عن مرضع حتى صادفوا بنتاً أظهرت نفسها بأنّها لا تعرف الطفل : (فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهَلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نصِحُونَ).
فسرّ بها هؤلاء وجاءوا بام موسى إلى قصر فرعون ، فلمّا شمّ الطفل رائحة امه التقم ثديها بشغف كبير.
في التفسير الكبير : لما قبل ثديها قال هامان إنّك لُامّه. قالت : لا. قال : فما بالك قبل ثديك من بين النسوة؟ قالت : أيّها الملك إنّي إمرأة طيّبة الريح حلوة اللبن ماشم ريحي صبي إلّاأقبل على ثديي. قالوا : صدقت. فلم يبق أحد من آل فرعون إلّاأهدى إليها وأتحفها بالذهب والجواهر.
أجل ، إنّ الله أراد لموسى أن يرتضع من لبن طاهر كلبن امّه ليستطيع أن ينهض بوجه
__________________
(١) «المراضع» : جمع «مُرضِع» ومعناها المرأة التي تسقي الطفل لبنها من ثديها.