قيل : يا رسول الله ومتى ساعة الغفلة؟ قال : «ما بين المغرب والعشاء».
والحق أنّ هذه الساعة ساعة غفلة وكثيراً ما تحدث الجنايات والفساد والإنحرافات الأخلاقية في مثل هذه لساعة من أوّل الليل .. فلا الناس مشغولون بالكسب والعمل ، ولا هم نائمون ، بل هي حالة غفلة عمومية تغشى المدينة عادةً في هذه الساعة.
وموسى دخل المدينة ، وهنالك واجه مشادّة ونزاعاً ، فاقترب من منطقة النزاع (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هذَا مِن شِيعَتِهِ وَهذَا مِنْ عَدُوّهِ).
والتعبير ب «شيعته» يدلّ على أنّ موسى قبل أن يبعث كان له أتباع وأنصار وشيعة من بني إسرائيل.
فلما بصر الإسرائيلي بموسى استصرخه ، (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوّهِ).
فجاءه موسى عليهالسلام لإستنصاره وتخليصه من عدوّه الظالم .. الذي يقال عنه أنّه كان طباخاً في قصر فرعون ، وكان يريد من الإسرائيلي أن يحمل معه الحطب إلى القصر ، فضرب موسى هذا العدو بقبضة يده القوية على صدره ، فهوى إلى الأرض ميتاً في الحال. تقول الآية : (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ) (١).
ومما لا شك فيه ، فإنّ موسى لم يقصد أن يقتل الفرعوني ، لذلك فإنّ موسى عليهالسلام أسف على هذا الأمر : (قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطنِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ).
فإنّ موسى عليهالسلام كان يريد أن يبعد الفرعوني عن الرجل الإسرائيلي ، وإن كان الفرعونيون يستحقون أكثر من ذلك ، لكن ظروف ذلك الوقت لم تكن تساعد على مثل هذا العمل.
ثم يتحدث القرآن عن موسى عليهالسلام فيقول : (قَالَ رَبّ إِنّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
ومن المسلم به أنّ موسى عليهالسلام لم يصدر منه ذنب هنا ، بل ترك الأولى ، فكان ينبغي عليه أن يحتاط لئلا يقع في مشكلة ، ولذلك فإنّه استغفر ربّه وطلب منه العون.
لذلك فإنّ موسى عليهالسلام حين نجا بلطف الله من هذا المأزق : (قَالَ رَبّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَىَّ) من عفوك عني وانقاذي من يد الأعداء وجميع ما أنعمت علي منذ بداية حياتي لحدّ الآن (فَلَنْ
__________________
(١) «وكز» : مأخوذ من «الوكز» ومعناه الضرب بقبضة اليد ، وهناك معان اخرى لا تناسب المقام.