أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ) ، ومعيناً للظالمين.
ويريد موسى عليهالسلام أن يقول : «إنّه لا يكون بعد هذا مع فرعون وجماعته أبداً .. بل سيكون إلى جانب الإسرائيليين المضطهدين ..».
(فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) (٢٢)
موسى يتوجّه إلى مدين خُفية : نواجه في هذه الآيات المقطع الرابع من هذه القصة ذات المحتوى الكبير ، حيث إنّ مقتل الفرعوني في مصر انتشر بسرعة ، ولعل اسم موسى عليهالسلام كان مذكوراً من بين بني إسرائيل المشتبه فيهم. لذلك يقول القرآن في بداية هذا المقطع : (فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ) (١). وهو على حال من الترقب والحذر ، فوجيء في اليوم التالي بالرجل الإسرائيلي الذي آزره موسى بالأمس يتنازع مع قبطي آخر وطلب من موسى أن ينصره : (فَإِذَا الَّذِى اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ) (٢). ولكن موسى تعجب منه واستنكر فعله و (قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِىٌّ مُّبِينٌ). إذ تحدث كل يوم نزاعاً ومشادة مع الآخرين.
ولكنّه كان مظلوماً في قبضة الظالمين (وسواء كان مقصراً في المقدمات أم لا) فعلى موسى عليهالسلام أن يعينه وينصره. (فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أن يَبْطِشَ بِالَّذِى هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا) صاح ذلك القبطي : (قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِى كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ). ويبدو من عملك هذا أنّك لست إنساناً منصفاً ، (إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِى الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ
__________________
(١) «يترقب» : مأخوذ من «الترقب» ، ومعناه الإنتظار ، وموسى هنا في انتظار نتائج هذه الحادثة.
(٢) «يستصرخ» : مشتقة من مادة «الإستصراخ» ، ومعناها الإستغاثة ، ولكنّها في الأصل تعني الصياح أو طلب الصياح من الآخر ، وهذا عادة ملازم للإعانة.