الْمُصْلِحِينَ).
وهذه العبارة تدلّ بوضوح على أنّ موسى عليهالسلام كان في نيّته الإصلاح من قبل ، سواءً في قصر فرعون أو خارجه.
ومن جهة اخرى فإنّ الأخبار وصلت إلى قصر فرعون فأحسّ فرعون ومن معه في القصر أنّ تكرار مثل هذه الحوادث ينذره بالخطر ، فعقد جلسة شورى مع وزرائه وانتهى «مؤتمرهم» إلى أن يقتلوا موسى ، وكان في القصر رجل له علاقة بموسى فمضى إليه وأخبره بالمؤامرة .. وكما يقول القرآن الكريم : (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّى لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ).
وهذا الرجل هو «مؤمن آل فرعون» الذي كان يكتم إيمانه ويدعى «حزقيل» وكان من أسرة فرعون.
أمّا موسى عليهالسلام فقد تلقى الخبر من هذا الرجل بجدّية وقبل نصحه ووصيته في مغادرة المدينة ، (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ).
وتضرع إلى الله بإخلاص وصفاء قلب ليدفع عنه شرّ القوم و (قَالَ رَبّ نَجّنِى مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
ثم قرر موسى عليهالسلام أن يتوجه إلى مدينة «مدين» التي كانت تقع جنوب الشام وشمال الحجاز ، وكانت بعيدة عن سيطرة مصر والفراعنة ؛ إلّاأنّه كان لديه في هذا الطريق وعواطفه رأس مال كبير وكثير لا ينفد أبداً ، وهو الإيمان بالله والتوكل عليه ، لذا لم يكترث بأي شيء وواصل السير .. (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبّى أَن يَهْدِيَنِى سَوَاءَ السَّبِيلِ) (١).
(وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٢٥)
__________________
(١) «تلقاء» : مصدر أو اسم مكان ، ومعناه هنا : الجهة والصوب الذي قصده.