أجل .. إنّه متعب وجائع ، ولا أحد يعرفه في هذه المدينة. لكن هلمّ إلى العمل الصالح ، فكم له من أثر محمود ، خطوة نحو الله ، فتح لموسى فصلاً جديداً ، وهيأ له من عالم عجيب من البركات المادية والمعنوية .. ووجد ضالته التي ينبغي أن يبحث عنها سنين طوالاً.
وبداية هذا الفصل عندما جاءته احدى البنتين تخطو بخطوات ملؤها الحياء والعفة ويظهر منها أنّها تستحي من الكلام مع شاب غريب : رجوعهما إليه بهذه السرعة على غير ما اعتادتا عليه ، فقصتا عليه الخبر ، فأرسل خلفه (فَجَاءَتْهُ إِحْدَيهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) فلم تزد على أن (قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا).
فلمع في قلبه إشراقٌ من الأمل ، وكأنّه أحس بأن سيواجه رجلاً كبيراً .. رجلاً عارفاً بالحق وغير مستعد أن يترك أي عمل حتى لو كان ملء الدلو أن يجزيه عليه.
أجل ، لم يكن ذلك الشخص الكبير سوى «شعيب».
تحرك موسى عليهالسلام ووصل منزل شعيب ، وطبقاً لبعض الروايات ، فإنّ البنت كانت تسير أمام موسى لتدله على الطريق ، إلّاأنّ الهواء كان يحرّك ثيابها وربّما انكشف ثوبها عنها ، ولكن موسى لما عنده من عفّة وحياء طلب منها أن تمشي خلفه وأن يسير أمامها ، فإذا ما وصلا إلى مفترق طرق تدله وتخبره من أي طريق يمضي إلى دار أبيها شعيب.
دخل موسى عليهالسلام منزل شعيب عليهالسلام ، يقول القرآن في هذا الصدد : (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَاتَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). فالتفت موسى إلى أنّه وجد استاذاً عظيماً .. كما أحسّ شعيب أنّه عثر على تلميذ جدير ولائق.
(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قَالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) (٢٨)
موسى في دار شعيب : هذا هو المقطع السادس من قصّة حياة موسى عليهالسلام المثيرة ، جاء موسى إلى منزل شعيب ، وبعد أن قصّ عليه قصّته ، بادرت إحدى بنتي شعيب بالقول : إنّني أقترح أن تستأجره لحفظ الأغنام ورعايتها : و (قَالَتْ إِحْدَيهُمَا يَا أَبَتِ اسْتْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ