النوع الأوّل : هم الذين يقعون في قبضة العدو الغاشم ويتحملون أذاه وتعذيبه ، ولكنّهم لا يصبرون تحت ضغط ما يلاقوه من أعداء الإسلام ، فيعلنون براءتهم من الإسلام وولاءهم للكفر ، على أنّ ما يعلنوه لا يتعدى حركة اللسان ، وأمّا قلوبهم فتبقى ممتلئة بالإيمان.
فهذا النوع يكون مشمولاً بالعفو الإلهي بلا ريب ، بل لم يصدر منهم ذنب ، لأنّهم قد مارسوا التقية التي أحلّها الإسلام لحفظ النفس وحفظ الطاقات للاستفادة منها في طريق خدمة دين الله عزوجل.
النوع الثاني : هم الذين يفتحون للكفر أبواب قلوبهم حقيقةً ، ويغيّرون مسيرتهم ويتخلّون عن إيمانهم ، فهؤلاء يشملهم غضب الله عزوجل وعذابه العظيم.
وتتطرق الآية التالية إلى أسباب ارتداد هؤلاء ، فتقول : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَوةَ الدُّنْيَا عَلَى الْأَخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لَايَهْدِى الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) الذين يصرّون على كفرهم وعنادهم.
وخلاصة المقال : حين أسلم هؤلاء تضررت مصالحهم المادية وتعرضت للخطر المؤقت ، فندموا على إسلامهم لشدة حبّهم لدنياهم ، وعادوا خاسئين إلى كفرهم.
وبديهي أنّ من لا يرغب في الإيمان ولا يسمح له بالدخول إلى أعماق نفسه ، لا تشمله الهداية الإلهية.
وتأتي الآية الاخرى لتبيّن سبب عدم هدايتهم ، فتقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ) بحيث إنّهم حُرموا من نعمة الرؤية والسمع وإدراك الحقائق : (وَأُولئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
إنّ ارتكاب الذنوب وفعل القبائح يترك أثره السلبي على إدراك الإنسان للحقائق ، وتغلق أبواب روحه من تقبّل أيّة حقيقة.
ثم تعرض الآية التالية عاقبة أمرهم ، فتقول : (لَاجَرَمَ أَنَّهُمْ فِى الْأَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
وهل هناك من هو أتعس حالاً من هذا الإنسان الذي خسر جميع طاقاته وإمكاناته لنيل السعادة الدائمة بإتباعه هوى النفس.
وبعد ذكر الفئتين السابقتين ، أي الذين يتلفظون بكلمات الكفر وقلوبهم ملأى بالإيمان ، والذين ينقلبون إلى الكفر مرّة اخرى بكامل اختيارهم ورغبتهم ، فبعد ذلك تتطرق الآية التالية إلى فئة ثالثة وهم البسطاء المخدوعون في دينهم ، فتقول : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ).
فالآية دليل واضح على قبول توبة المرتد.