وتأتي الآية الأخيرة لتقدّم تذكيراً عاماً بقولها : (يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا) لتنقذها من العقاب والعذاب.
ولكن ... لا فائدة من كل ذلك ... (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ).
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١١٣) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١١٤)
الذين كفروا فأصابهم العذاب : قلنا مراراً : إنّ هذه السورة هي سورة النِعم ، النعم المادية والمعنوية وعلى كافة الأصعدة ، وقد مرّ ذكر ذلك في آيات متعددة من هذه السورة المباركة ، وتصوّر لنا الآيات أعلاه عاقبة الكفر بالنعم الإلهية على شكل مثل واقعي.
ويبتدأ التصوير القرآني بضرب مثل لمن لم يشكر نعمة الله عليه : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْءَامِنَةً) لا تضطر إلى هجرة إجبارية ، بل تعيش في أمن وأمان (مطمئنة) ومضافاً إلى ذلك (يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ).
ولكن حالها قد تبدّل في النهاية (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ).
وإضافة لاستكمال نعم الله المادية عليهم ، فقد أضاف لهم من النعم المعنوية ما يستقر به حالهم في الدنيا ، ويدام لهم ذلك في الآخرة ، فبعث بين ظهرانيهم رسل وأنبياء وأرسلت إليهم التعاليم السماوية (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ).
فكانت النتيجة أن : (فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ).
وإنّكم حين تطّلعون على هذه النماذج الواقعية من الامم السابقة ، فاعتبروا بها ولا تنهجوا طريق اولئك الغافلين الظالمين من الكافرين بأنعم الله (فَكُلُوا مِمَّا رَزقَكُمُ اللهُ حَللاً طَيّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).
يحتمل حدثت هذه القصّة لجمع من بني إسرائيل في منطقة ما ، وأنّهم ابتلوا بالقحط والخوف على أثر كفرانهم بنعم الله.
ومما يؤيد ذلك ما روي ـ في العياشي ـ عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «إنّ قوماً كان في بني