نعمتا الليل والنهار العظيمتان : هذه الآيات ـ محل البحث ـ تتحدث عن قسم كبير من مواهب الله سبحانه ، التي تدل على التوحيد ونفي الشرك من جهة ، كما أنّها تكمّل البحث السابق .. وتذكر مثلاً للنعم التي تستوجب الحمد والثناء. ففي الآية الاولى من هذه الآيات إشارة إلى نعمة النهار والنور الذي هو أساس لأيّة حركة ، فتقول الآية : (قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيمَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ).
كما تتحدث الآية الاخرى عن نعمة الظلمة فتقول : (قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ القِيمَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).
أمّا الآية الثالثة فتحكي عن نتيجة النعمة المشار إليها في الآيتين السابقتين فيقول : (وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
إنّ سعة رحمة الله تستوجب أن تضمن جميع عوامل حياتكم.
ومرّة اخرى ـ بعد ذكر جانب من دلائل التوحيد ونفي الشرك ـ يعود القرآن الكريم على السؤال الأوّل الذي أثير في الآيات السابقة ليقول : (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَاءِىَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ).
وهذه الآية مكررة في السورة نفسها ، إذ وردت بنصّها في الآية (٦٢) ، ولعلّ هذا التكرار ناشىء عن السؤال مرتين في يوم القيامة ، مرّة بصورة انفرادية ليعودوا إلى وجدانهم فيخجلوا من أنفسهم ، ومرّة بصورة عامّة في محضر الشهود ، وهو ما أشير إليه في الآية التي بعدها .. ليخجلوا أيضاً من حضورهم. لذلك تأتي الآية التي بعدها فتقول : (وَنَزَعْنَا مِن كُلّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ) (١). أيّها المشركون الضالون.
وحين تنكشف المسائل وتتجلى الامور لا تبقى خافية ، (فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
هؤلاء الشهود هم الأنبياء بقرينة الآيات الاخرى في القرآن ، إذ أنّ كل نبي شاهد على امته ، ونبي الخاتم صلىاللهعليهوآله الذي هو خاتم الأنبياء هو شهيد على جميع الأنبياء والامم.
__________________
(١) التعبير ب «نزعنا» التي تعني جذب الشيء من مقرّه ، هي إشارة إلى إحضار الشهود من بين كل جماعة وامّة.