يقول القرآن الكريم في هذا الصدد : (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ).
يا للعجب ... ففرعون يهوي في ماء النيل ... وقارون في أعماق الأرض.
الماء الذي هو سرّ الحياة وأساسها يكون مأموراً بهلاك فرعون ، والأرض التي هي مهاد الاطمئنان والدعة تنقلب قبراً لقارون واتباعه. ومن البديهي أنّ قارون لم يكن لوحده في ذلك البيت فقد كان معه أعوانه وندماءه ومن أعانه على ظلمه وطغيانه ، وهكذا توغلوا في أعماق الأرض جميعاً. (فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ).
أمّا آخر آية ـ محل البحث ـ فتحكى عن التبدل العجيب لأولئك الذين كانوا يتفرجون على استعراض قارون بالأمس ويقولون : يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ، وما شابه ذلك. وإذا هم اليوم يقولون : واهاً له ، فإنّ الرزق بيد الله ؛ (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ).
لذلك شكروا الله على هذه النعمة وقالوا : (لَوْلَا أَن مَّنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَايُفْلِحُ الْكفِرُونَ). فالآن نرى الحقيقة بأعيننا ، وعاقبة الغرور والغفلة ونهاية الكفر والشهوة.
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (٨٤)
نتيجة حبّ التسلط والفساد في الأرض : بعد البيان المثير لما حدث لثري مستكبر ومتسلط ، وهو قارون ، تبدأ الآية الاولى من هذا المقطع ببيان استنتاج كلي لهذا الواقع وهذا الحدث ، إذ تقول الآية : (تِلْكَ الدَّارُ الْأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَايُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا).
إنّ ما يكون سبباً لحرمان الإنسان من مواهب الدار الآخرة ، هو هذان الأمران : «الرغبة في العلو» أي الاستكبار ؛ و «الفساد في الأرض» وهما الذنوب.
ويقول القرآن في نهاية الآية : (وَالْعقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). و «العاقبة» بمفهومها الواسع هي النتيجة الصالحة ، وهي الإنتصار في هذه الدنيا ، والجنّة ونعيمها في الدار الاخرى ...