والآية الاخرى بعدها تشير إلى منطق المشركين الخاوي والملتوي ، الذي لا يزال موجوداً في طبقات المجتمع الواسعة فتقول : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَءَامَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلَنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ).
واليوم نرى كثيراً من الخبثاء يقولون للآخرين عند دعوتهم إلى أمر : إن كان فيه ذنب فعلى رقابنا في حين أنّنا نعلم أنّه لا يمكن لأحد أن يتحمل وزر أحد ، فالله عادل سبحانه ولا يؤاخذ أحداً بجرم الآخر.
لذلك فإنّ القرآن يقول بصراحة في الجملة التالية : (وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَىْءٍ إِنَّهُمْ لَكذِبُونَ).
وبعد ذلك ، ومن أجل أن لا يتصور أنّ هؤلاء الدعاة للكفر والشرك وعبادة الأصنام والظلم ، لا شيء عليهم من العقاب لهذا العمل ، فإنّ القرآن يضيف في الآية التالية قائلاً : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ أَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ).
وثقل الذنب هذا ... هو ثقل ذنب الإغراء والإغواء وحث الآخرين على الذنب ، وهو ثقل السنّة التي عبّر عنها النبي صلىاللهعليهوآله فقال : (من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من وزره شيء) (١).
وتختتم الآية بالقول : (وَلَيُسَلُنَّ يَوْمَ الْقِيمَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (١٥) وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (١٨) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) (١٩)
__________________
(١) التفسير الكبير ٢٥ / ٤٠.