إشارة لقصّتي نوح وإبراهيم : لما كان الكلام في البحوث السابقة عن الإمتحانات العامة في الناس ، فإنّ الكلام هنا ـ وفي ما بعد ـ يقع على الإمتحانات الشديدة للأنبياء.
تبدأ الآيات أوّلاً بالكلام على أوّل نبي من أولي العزم وهو نوح عليهالسلام وتتحدث عنه بعبارات موجزة ، لتُجمل قسماً من حياته التي تناسب ـ كثيراً ـ الواقع الراهن للمسلمين ـ آنئذ ـ فتقول : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا).
كان نوح مشغولاً ليل نهار بالتبليغ ودعوة قومه إلى توحيد الله ـ فرادى ومجتمعين ، مستفيداً من جميع الفرص في هذه المدة الطويلة (أي تسعمائة وخمسين عاماً) يدعوهم إلى الله ... ولم يشعر بالتعب والنصب من هذا السعي المتتابع ولم يظهر عليه الضعف والفتور.
ومع كل هذا الجهد الجهيد لم يؤمن به إلّاجماعة قليلة في حدود الثمانين شخصاً كما تنقل التواريخ (أي : بمعدّل نفر واحد لكل اثنتي عشرة سنة).
فعلى هذا لا تظهروا الضعف والتعب في سبيل الدعوة إلى الحق ومواجهة الانحرافات ، لأنّ منهجكم أمام منهج «نوح» سهل للغاية.
لكن لاحظوا كيف كانت عاقبة قوم نوح الظالمين الألدّاء : (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ).
ويضيف القرآن الكريم في الآية الاخرى : (فَأَنجَيْنهُ وَأَصْحبَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَاءَايَةً لّلْعَالَمِينَ).
ثم يعقّب على قصة نوح وقومه التي وردت بشكل مضغوط ، ويأتي بقصة إبراهيم عليهالسلام ، ثاني الأنبياء الكبار من أولي العزم فيقول : (وَإِبْرهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). إذ ينجيكم من دنياكم الملوّثة بالذنوب والشقاء ، وتكون آخرتكم هي السعادة الأبدية.
ثم يذكر إبراهيم عليهالسلام أدلة بطلان عبادة الأصنام والأوثان ، ويبيّن في تعابير مختلفة يتضمن كل منها دليلاً على فساد مذهبهم وبطلانه فيقول أوّلاً : (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَوْثَانًا).
الأصنام التي ليس لها إرادة ، ولا عقل ، وهي فاقدة لكل شيء ، بحيث إنّ شكلها بنفسه هو دليل على بطلان عقيدة «عبادة الأوثان».
ثم يتوسع في حديثه ويمضي إلى مدى أبعد فيقول : ليست هذه الأوثان بهيئتها تدل على أنّها لا تستحق العبادة فحسب ، بل أنتم تعلمون بأنّكم تكذبون وتضعون اسم الآلهة على هذه الأوثان : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا).