ثم يبيّن الدليل الثالث وهو أنّ عبادتكم لهذه الأوثان إمّا لأجل المنافع المادية ، أو لعاقبتكم في «الاخرى» وكلا الهدفين باطل ... وذلك : (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَايَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا).
وأنتم تعتقدون بأنّ هذه الأصنام لم تكن خلقتكم ، بل الخالق هو الله ، فالذي يتكفل بالرزق هو الله ، (فَابْتَغُوا عِندَ اللهِ الرّزْقَ).
ولأنّه هو الذي يرزقكم فتوجهوا إليه (وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ).
وإذ كنتم تبتغون الدار الاخرى فإنّه (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).
فالأصنام لا تصنع شيئاً هنا ولا هناك.
وبهذا الأدلة الموجزة والواضحة ألجم منطقهم الواهي وأفحمهم.
ثم يلتفت إبراهيم عليهالسلام مهدّداً لهم ومبدياً عدم اكتراثه بهم قائلاً : (وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ) كذبوا أنبياءهم فنالوا الخزي بتكذيبهم والعاقبة الوخيمة (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلغُ الْمُبِينُ) سواءً استجاب له قومه ، أم لم يستجيبوا له دعوته وبلاغه.
والمقصود بالامم قبل امة إبراهيم عليهالسلام ، امة نوح عليهالسلام وما بعده من الامم.
والقرآن يترك قصة إبراهيم هنا مؤقتاً ، ويكمل البحث الذي كان لدى إبراهيم في صدد التوحيد وبيان رسالته بدليل المعاد ، فيقول : (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ). أي كيف لا يعرف هؤلاء خلق الله؟ فالذي له القدرة على الإيجاد أوّلاً قادر على إعادته أيضاً.
ويضيف في آخر الآية على سبيل التأكيد : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ). لأنّ تجديد الحياة قبال الإيجاد الأوّل يُعدّ أمراً بسيطاً.
وطبيعي أنّ هذا التعبير يناسب منطق الناس وفهمهم ، وإلّا فإنّ اليسير والعسير لا مفهوم لهما عند من قدرته غير محدودة والمطلقة.
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠) يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (٢١) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (٢٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ وَلِقَائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (٢٣)