تقول : (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذَا حَللٌ وَهذَا حَرَامٌ لّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ). أي : إنّ ما جئتم به ليس إلّاكذبة صريحة أطلقتها ألسنتكم في تحليلكم أشياء بحسب ما تهوى أنفسكم ، وتحريمكم لأخرى! (إشارة إلى الأنعام التي حرّمها البعض على نفسه ، والبعض الآخر حللها لنفسه بعد أن جعل قسماً منها لأصنامه).
فهل أعطاكم الله حقّ سنّ القوانين؟ أم أنّ أفكاركم المنحرفة وتقاليدكم العمياء هي التي دفعتكم لإحداث هذه البدع؟ ... أوَ ليس هذا كذباً وافتراءاً على الله؟
ويحذّر القرآن في آخر الآية بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَايُفْلِحُونَ). لأنّ من مسببات الشقاء الأساسية الكذب والإفتراء على أي إنسان ، فكيف به إذا كان على الله عزوجل؟ فلا أقل والحال هذه من مضاعفة آثاره السيئة.
وتوضّح الآية التالية ذلك الخسران ، فتقول : (مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
ويمكن أن تكون (مَتَاعٌ قَلِيلٌ) إشارة إلى أجنّة الحيوانات الميتة التي كانوا يحللونها لأنفسهم ويأكلون لحومها.
ويطرح السؤال التالي : لماذا حرّمت على اليهود محرّمات إضافية؟
الآية التالية كأنّها جواب على السؤال المطروح ، حيث تقول : (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ).
وهو إشارة إلى ما ذكر في الآية (١٤٦) من سورة الأنعام : (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ).
وحقيقة هذه المحرمات الإضافية العقاب والجزاء لليهود جرّاء ظلمهم ، ولذلك يقول القرآن الكريم في آخر الآيات مورد البحث : (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
وفي آخر آية من الآيات مورد البحث ، وتمشّياً مع الاسلوب القرآني ، يبدأ القرآن بفتح أبواب التوبة أمام المخدوعين من الناس والنادمين من ضلالهم ، فيقول : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ).
وفي هذه الآية ملاحظتان :
أوّلاً : اعتبرت علة ارتكاب الذنب «الجهالة» والجاهل المذنب يعود إلى طريق الحق بعد ارتفاع حالة الجهل.