من أعمال في الخفاء أو العلن ، والنيّات التي في قلوبكم أو الكلمات التي تجري على ألسنتكم.
(وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنَا وَإِلهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) وَكَذلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (٤٧) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (٤٩)
اتّبعوا أحسن الأساليب في البحث والجدال : كان أكثر الكلام في الآيات المتقدمة في كيفية التعامل مع المشركين المعاندين وكان مقتضى الحال أن يكون الكلام شديد اللهجة حادّاً ، أمّا في هذه الآيات ـ محل البحث ـ فيقع الكلام في شأن مجادلة أهل الكتاب الذين ينبغي أن يكون الكلام معهم لطيفاً ، فيقول القرآن في هذا الصدد : (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتبِ إِلَّا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ). «تجادلوا» : مشتق من «جدال» ومعناه في الأصل فتل الحبل وإحكامه ، كما تستعمل هذه المفردة في البناء المحكم وما أشبهه ، وحين يتناقش اثنان في بحث معين فكل واحد منهما يريد أن يلوي صاحبه عن عقيدته وفكرته .. لذا فقد سمّي هذا النقاش جدالاً.
والمراد من قوله (وَلَا تُجَادِلُوا) ، المناقشات المنطقية.
والتعبير ب (الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ) تعبير جامع يشمل الأساليب والطرق الصحيحة والمناسبة للتباحث أجمع.
فعلى هذا إنّ ألفاظكم ينبغي أن تكون بطريقة مؤدّبة ، والكلام ذا مودّة ، والمحتوى مستدلاً ، وصوتكم هادئاً غير خشن.
وبالطبع فإنّ هذا الأصل الكلي في البحث والمجادلة الإسلامية ، فقد يُعدّ في بعض الموارد ضعفاً ، أو يكون الطرف الآخر مغروراً إلى درجة أنّ هذا التعامل الإنساني يزيده جرأة وعدواناً وتكبراً ، لذلك فإنّ القرآن يضيف مستثنياً : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ).
وهم الذين ظلموا أنفسهم وظلموا الآخرين ، وكتموا كثيراً من الآيات ، لئلا يطلع الناس