ثم يضيف القرآن معقباً أن قل : (وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ).
والجواب الآخر هو قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتبَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ).
فهم يطلبون معاجز مادية «جسمانية» ، والقرآن بحدّ ذاته أعظم معجزة معنوية ...
معجزة خالدة تتلى آياته ليل نهار عليهم وعلى الأجيال من بعدهم.
وفي نهاية الآية يضيف القرآن للتأكيد والتوضيح بصورة أجلى ، فيقول : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). «ذلك» هنا إشارة إلى الكتاب المنزل من السماء ، وهو القرآن.
أجل ، إنّ القرآن رحمة «وسيلة» للذكرى والتذكر أيضاً ، فهو للمؤمنين الذين فتحوا قلوبهم بوجه الحقيقة.
ولعل الفرق بين «الرحمة» و «الذكرى» أنّ القرآن ليس معجزة وذكرى فحسب ، بل هو إضافة إلى كل ذلك يحتوي على القوانين التي تمنح الرحمة والمناهج التربوية والإنسانية.
فمثلاً كانت عصى موسى معجزة فحسب ، إلّاأنّها لم يكن لها أثر في حياة الناس اليومية ، غير أنّ القرآن معجزة ، هو في الوقت ذاته منهج كامل الحياة ورحمة أيضاً.
ولما كان كل مدعٍ بحاجة إلى الشاهد ، فالقرآن يبيّن في الآية الاخرى أنّ خير شاهد هو الله : (قُلْ كَفَى بِاللهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا).
وبديهي أنّه كلّما كان إطلاع الشاهد وشهادته أكثر ، فإنّ قيمة الشهادة تكون أهم ، لذلك يضيف القرآن بعدئذ قائلاً : (يَعْلَمُ مَا فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
يحتمل أن تكون هذه الشهادة شهادة عملية ، لأنّه حين يؤتي الله نبيّه معجزة كبرى كالقرآن ، فقدوقع على سند حقانيته وأمضاه.
وإضافةً للشهادة العملية المتقدمة ، نقرأ في آيات كثيرة من القرآن شهادة قولية في نبوة النبي صلىاللهعليهوآله.
ويمكن أنّ المراد من شهادة الله في الآية هي ما سبق من الوعد والذكر في كتب الله السابقة «كالتوراة والإنجيل» ويعلم بذلك علماء أهل الكتاب بصورة جيدة.
وتختتم الآية بنحو من الوعيد والتهديد لُاولئك الكفار بالله ، فيقول : (وَالَّذِينَءَامَنُوا بِالْبطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخسِرُونَ). وأي خسران أعظم من أن يعطوا جميع قواهم الجسمانية والإمكانات الاجتماعية والفردية في سبيل الإعلام والتبليغ لمذهبهم الوثني وأهملوا ذكر الله ، فلم يُعد عليهم هذا إلّابالضرر والخسران.