والنهائي مستحيلاً ، فلا سبيل عندئذ إلّا الهجرة.
وحيث إنّ البعض بقوا في ديار الشرك ، ولم يرغبوا بالهجرة بذريعة أنّهم يخشون الخروج من ديارهم ويخافون أن يحدق بهم الموت بسبب الأعداء أو الجوع أو العوامل الاخرى التي تهددهم ... إضافة إلى فراق الأحبّة والمتعلقين والأبناء والأصدقاء ، فإنّ القرآن يردّهم بجواب جامع قائلاً : (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
لا تظنوا أنّ الموت نهاية كل شيء ، لأنّكم جميعاً (إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) ... إلى الله العظيم ، وإلى نعمه التي لا حدّ لها ولا انتهاء لأمدها.
والآية التالية تبيّن جانباً من هذه النعم فتقول : (وَالَّذِينَءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنهرُ) (١).
والامتياز الآخر لغرف الجنة أنّها دائمة (خلِدِينَ فِيهَا).
ويضيف القرآن معقباً في ختام الآية : (نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).
والمراد بالعاملين هنا مع قرائن الجمل السابقة ، هم الذين يعملون الصالحات المقرونة بإيمانهم ، وإن كانت كلمة العاملين مطلقة.
والآية التالية تصف أهمّ ما يتحلّى به المؤمنون العاملون فتقول : (الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
إذ يبتعدون عن الزوجة والأولاد والأهل والبيت والأحباب والأصدقاء وكل شيء عزيز عليهم ، لكنّهم يصبرون برغم الفراق يذوقون مرارة الغربة والتهجير عن أوطانهم ويصبرون.
وإذ أمعنا النظر وفكّرنا جيداً رأينا أنّ الصبر والتوكل هما أساس جميع الفضائل الإنسانية ، فالصبر هو عامل الاستقامة أمام العوائق والمشاكل ، والتوكل هو الهدف والباعث على الحركة في هذا الطريق المديد الملتوي.
وفي آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ جواب لُاولئك الذين كان لسان حالهم أو لسان مقالهم يقول إذا خرجنا عن ديارنا وأهلينا ، فمن سيطعمنا ويرزقنا؟ يخاطبهم القرآن أن لا تحزنوا على الرزق ولا تحملوا ثقل الذلة والأسر ، فالرازق هو الله ، لا لكم فحسب بل : (وَكَأَيّن مِّن دَابَّةٍ لَاتَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ).
__________________
(١) «لنبوئنّهم» : من مادة «تبوئة» ، معناها إعطاء السكنى للإقامة والبقاء الدائم.