وهم غافلون عن أنّه لا تفصل بين الخالق والمخلوق أيّة فاصلة.
إنّ الآية بعد ذكر هذا الدليل الواضح تتساءل : (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ). أي مع هذا المال كيف يعرضون عن عبادة خالقهم ويستبدلونها بعبادة مجموعة من الأحجار والأخشاب؟!
«يؤفكون» : مشتقة من «إفك» ومعناها إعادة الشيء من صورته الواقعية والحقيقية.
والتعبير ب «يؤفكون» بصيغة المجهول إشارة إلى أنّهم لا قدرة لهم على التصميم ، فكأنّهم منجذبون إلى عبادة الأوثان دون إرادة.
والمراد من تسخير الشمس والقمر النظم التي أقرها الله تعالى ، وجعل الشمس والقمر في دائرة هذه النظم في خدمة الإنسان ، ومنافعه.
ثم يضيف القرآن تأكيداً لهذا المعنى ، وهو أنّ الله خالق الخلق ورازقهم ، فيقول : (اللهُ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ). فمفتاح الرزق بيده لا بيد الناس ولا بيد الأصنام.
وإذا كانوا يتصورون أنّ الله قادر ، إلّاأنّه غير مطّلع على حالهم ، فهذا خطأ كبير ل (إِنَّ اللهَ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمٌ).
وفي المرحلة الثانية يقع الكلام عن «التوحيد الربوبي» ونزول مصدر الأرزاق من قبله عليهم ، فيقول : (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللهُ). فهذا هو ما يعتقده عبدة الأصنام في الباطن ، ولا يتأبون من الاعتراف على ألسنتهم ، فهم يعرفون أنّ الخالق هو الله ، وأنّه ربّ العالم ومدبره.
ثم يضيف القرآن مخاطباً نبيّه : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ). فالحمد والثناء لمن أنعم جميع النعم.
وحيث إنّ أقوال المشركين من جهة ، وأعمالهم وأفعالهم وكلماتهم من جهة اخرى ، يناقض بعضها بعضاً ، فإنّ الآية تختتم بإضافة الجملة التالية : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَايَعْقِلُونَ).
وإلّا فكيف يمكن للإنسان العاقل أن يتناقض في كلماته ، فتارةً يرى أنّ الخالق والرازق والمدبر للعالم هو الله ، وتارة يسجد للأوثان التي لا تأثير لها بالنسبة لعواقب الناس.
ومن أجل أن يحوّل القرآن أفكارهم من أفق هذه الحياة المحدودة إلى عالم أوسع من خلال منظار العقل ، فإنّه يبيّن في الآية التالية كيفية الحياة الدنيا قياساً إلى الحياة الاخرى الخالدة ، في عبارة موجزة ومليئة بالمعاني ، فيقول : (وَمَا هذِهِ الْحَيَوةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْأَخِرَةَ لَهِىَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). «اللهو» : معناه الإنشغال ، أو كل عمل يصرف الإنسان إليه ويشغله عن مسائل الحياة الأساسية. أمّا «اللعب» : فيطلق على الأعمال التي