ثانياً : إنّ الآية لا تحدّد الموضوع بالتوبة القلبية والندم ، بل تؤكّد على أثر التوبة من الناحية العملية وتعتبر الإصلاح مكمّلاً للتوبة ، لتبطل الزعم القائل بإمكان مسح آلاف الذنوب بتلفظ «أستغفر الله».
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شَاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١٢٤)
كان إبراهيم لوحده امّة : كما قلنا مراراً بأنّ هذه السورة هي سورة النعم ، وهدفها تحريك حس الشكر لدى الإنسان بشكل يدفعه لمعرفة خالق وواهب هذه النعم ، والآيات تتحدث عن مصداق كامل للعبد الشكور لله ، ألا وهو «إبراهيم» بطل التوحيد ، وأوّل قدوة للمسلمين عامة وللعرب خاصة ، والآيات تشير إلى خمس من الصفات الحميدة التي كان يتحلّى بها إبراهيم عليهالسلام.
١ ـ (إِنَّ إِبْرهِيمَ كَانَ أُمَّةً). إنّ «امّة» اسم مفعول يطلق على الذي تقتدي به الناس وتنصاع له. كان إبراهيم عليهالسلام منبعاً لوجود امّة ولهذا أطلق القرآن عليه كلمة «امّة».
نعم فقد كان إبراهيم أمّة وكان إماماً عظيماً ، وكان رجلاً صانع امّة ، وكان منادياً بالتوحيد وسط بيئة اجتماعية خالية من أيّ موحّد.
٢ ـ صفته الثانية في هذه الآيات : أنّه كان (قَانِتًا لِلَّهِ).
٣ ـ وكان دائماً على الصراط المستقيم سائراً على طريق الله ، طريق الحق (حَنِيفًا).
٤ ـ (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) بل كان نور الله يملأ كل حياته وفكره ، ويشغل كل زوايا قلبه.
٥ ـ وبعد كل هذه الصفات ، فقد كان (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ).
وبعد عرض الصفات الخمسة يبيّن القرآن الكريم النتائج المهمة لها ، فيقول :
١ ـ (اجْتَبهُ) للنبوة وإبلاغ دعوته.