آيات عظمته ـ مرّةً اخرى : تعقيباً على الأبحاث السابقة حول آيات الله في الآفاق وفي الأنفس ، تتحدث هذه الآيات ـ محل البحث ـ حول قسم آخر من هذه الآيات العظيمة. فتتحدث في البداية عن ظاهرة «النوم» على أنّها ظاهرة مهمة من ظواهر الخلق ومثل بارز من نظام الحكيم الخالق ، فتقول : (وَمِنءَايتِهِ مَنَامُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ).
وتختتم الآية بإثارة العبرة بالقول : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيتٍ لّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ).
هذه الموهبة العظيمة تؤدّي إلى أن يحصل جسم الإنسان وروحه على الراحة اللازمة ، فيرتفع التعب بطرو النوم الذي بمثابة وقفة لعمل البدن ، ونوع من التعطيل له.
ومن المسلّم به أنّه لولا النوم لتصدّعت روح الإنسان وذبل جسمه وانهار بسرعة ، ولعجل عليه العجز والشيخوخة.
والآية التي تلتها ، والتي تبيّن خامس آية من آيات عظمة الله ، تتجه أيضاً إلى «الآيات في الآفاق» وتتحدث عن البرق والرعد والغيث وحياة الأرض بعد موتها ، فتقول : (وَمِنءَايتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا).
«الخوف» : مما يخطر على البال من احتمال نزول الصاعقة مع البرق ؛ و «الطمع» : من جهة نزول الغيث الذي ينزل بعد البرق والرعد على هيئة قطر أو مزنة.
وعلى هذا فإنّ البرق السماوي مقدمة لنزول الغيث.
ثم يضيف القرآن معقباً : (وَيُنَزّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْىِ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا).
ويؤكّد القرآن في نهاية هذه الآية مضيفاً : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ويفهمون أنّ وراء هذه الخطة المدروسة يداً قادرة تقودها وتهديها ، ولا يمكن أن تكون المسألة وليدة الصدفة والضرورة العمياء الصّماء أبداً.
وفي آخر آية من الآيات محل البحث ، يقع الكلام عن آية اخرى من الآيات الآفاقية ، وذلك عن تدبير نظام السماء والأرض وبقائهما ودوامهما ، إذ تقول : (وَمِنءَايتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ). أي إنّ خلق السماوات ـ المشار إليه في الآيات السابقة ـ ليس آية وحدة فحسب ، بل بقاؤها ودوام نظامها أيضاً آية اخرى ، فهذه الأجرام العظيمة في دورانها المنظّم حول نفسها تحتاج إلى امور كثيرة ، وأهمّها المحاسبة المعقدة للقوة الجاذبة والدافعة.
وفي نهاية الآية وبالاستفادة من عامل التوحيد لإثبات المعاد ، ينقل القرآن البحث إلى هذه المسألة فيقول : (ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ).