من خلال نافذتنا الفكرية ، وأمّا بالنسبة للقادر المطلق فلا فرق عنده بين «الصعب والسهل».
وربّما كان لهذا السبب أن عقّب القرآن في ذيل الآية مباشرة بالقول : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِى السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
لأنّنا لو تصورنا أي وصف كمالي لأي موجود في السماء والأرض ، من علمٍ وقدرة وملك وعظمة وجود وكرم ، فمصداقه الأتم والأكمل هو عند الله ، لأنّ الجميع لديهم المحدود من الصفات ، إلّاهو وحده فإنّ لديه الأوصاف غير المحدودة ، والجميع لديهم أوصاف عارضة ، أمّا أوصاف الله فذاتية ، وهو مصدر الكمالات وأساسها.
وتنتهي الآية بما هو ضرب من التأكيد أو الدليل ، إذ يقول سبحانه : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). هو عزيز لا يقهر ، إلّاأنّه وفي منتهى قدرته غير المحدودة لا يصدر منه فعل غير دقيق ، فكلّ أفعاله وفق حكمته.
وبعد بيان قسم آخر من دلائل التوحيد والمعاد في الآيات المتقدمة ، يتناول القرآن موضوع «نفي الشرك» في مثال بيّن فيقول : (ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ).
هذا المثال هو لو كان لديكم ـ أيّها المشركون ـ عبيد ومماليك ف (هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمنُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِى مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ). أي إنّ عبيدكم هؤلاء يشاركونكم في أموالكم وفي ما رزقناكم ، بحيث تكونون أنتم وعبيدكم سواء في مالكية هذه الأموال والنعم وتخافون أن يتصرفوا في هذه الأموال بشكل مستقل كما هو الحالة في تصرف شركاءكم الأحرار فيها أو في الميراث مثلاً ... فأنتم غير مستعدين لأن يتصرفوا في أموالكم.
فلو كان لكم عبيد وملك يمين «وهو ملك مجازي» لما رضيتم بمثل هذا الفعل منهم ، فكيف تتصورون المخلوقات التي هي ملك حقيقي لله شركاءه ، أو تزعمون أنّ بعض الأنبياء كالمسيح أو ملائكة الله أو بعض المخلوقات الاخرى كالجن أو الأصنام الحجرية والخشبية شركاءه ، ألا ساء ما تحكمون.
والتعبير ب (مَا رَزَقْنَاكُمْ) يشير إلى هذه اللطيفة ، وهي أنّكم لستم المالكين الحقيقيين لهؤلاء العبيد والمماليك ، ولا المالكين الواقعيين للمال ، لأنّ كل ذلك لله وحده.
ويعقب القرآن في ختام الآية للتأكيد والدقة على مضمون السؤال ، فيقول : (كَذلِكَ