ويضيف القرآن في الآية التالية : ينبغي أن يكون التفاتكم للدين الحنيف والفطري حالة كونكم (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) فأصلكم وأساسكم على التوحيد ، وينبغي أن تعودوا إليه أيضاً.
«منيبين» : من مادة «إنابة» وهي في الأصل تعني الرجوع المكرر ، وتعني هنا الرجوع نحو الله والعودة نحو الفطرة (التوحيدية).
ويعقب على الأمر بالإنابة والعودة إليه ، بالأمر بالتقوى ، وهي كلمة تجمع معاني أوامر الله ونواهيه ، إذ يقول : (وَاتَّقُوهُ) أي اتقوا مخالفة أوامره.
ثم يؤكّد القرآن على موضوع الصلاة من بين جميع الأوامر فيقول : (وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ). لأنّ الصلاة في جميع أبعادها ، هي أهم منهج لمواجهة الشرك ، وأشدّ الوسائل تأثيراً في تقوية أسس التوحيد والإيمان بالله سبحانه.
كما أنّه يؤكّد في نهيه عن «الشرك» من بين جميع النواهي فيقول : (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). لأنّ الشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، فإنّ الله لا يغفره.
وفي آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ يبيّن القرآن واحداً من آثار الشرك وعلائمه في عبارة موجزة ذات معنى كبير ، فيقول : لا تكونوا من المشركين الذين انقسموا في دينهم على فرق واحزاب كثيرة : (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا).
والعجيب في الأمر أنّهم على تضادّهم واختلافهم فإنّ (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).
أجل ، إنّ واحدة من علائم الشرك هي التفرقة ، لأنّ المعبودات المختلفة هي منشأ الأساليب المتفاوتة وهي أساس الانفصال والتفرق.
بحث
التوحيد باعث داخلي قوي : كما أنّ الدلائل العقلية والمنطقية توجّه الإنسان ، فإنّ في داخله دوافع وموانع أيضاً .. بحيث تعين له الجهة «أحياناً» من حيث يدري أو لا يدري.
وفلسفة وجودها في داخل الإنسان ، هي أنّ الإنسان لا يستطيع ـ دائماً ـ أن ينتظر إيعاز العقل والمنطق ، لأنّ هذا العمل قد يعطل الأهداف «الحياتية» بعض الأحيان.
فمثلاً لو أراد الإنسان أن يستلهم من منطق «لزوم بدل ما يتحلل» ضرورة تناول الطعام .. أو «لزوم استمرار النسل عن طريق التوالد والتناسل» ضرورة الممارسة الجنسية ، وأن يعمل ويتحرك وفق المنطق في كل ذلك ، لكان ينبغي أن ينقرض الإنسان ـ قبل هذا الزمان بكثير ـ إلّاأنّ الغريزة الجنسية من جهة وجاذبيتها ، والإشتهاء للطعام من جهة