أقصر الطرق للهداية والسعادة : الآيات السابقة تحدّثت عن بني إسرائيل وكتابهم السماوي «التوراة» وكيف تخلّفوا عن برنامج الهداية الإلهية ليلقوا بعض جزائهم في هذه الحياة الدنيا ، والباقي مدّخر ليوم القيامة. وفي هذا المقطع من الآيات ، إنتقل الحديث إلى القرآن الكريم ، الكتاب السماوي للمسلمين ، وآخر حلقة في الكتب السماوية ، فقال تعالى أوّلاً : (إِنَّ هذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ).
إنّ معنى الآية أعلاه ، هو أنّ القرآن الكريم يمثّل أقصر وأفضل طرق الإستقامة والثبات والهداية.
وبهذا فإنّ الطريق القويم من وجهة نظر العقائد والأفكار.
العقيدة الأقوم من هذه الزاوية ، هي التي توافق بين الإعتقاد والعمل ، والظاهر والباطن ، الفكر والمنهج ، وتدفع الإنسان والجميع نحو الله.
أمّا الأقوم من وجهة نظر القوانين الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية ، التي تسود المجتمع.
وأخيراً فإنّ المنهج الأقوم بالنسبة للنظم والسلطات الحاكمة ، هو كل ما يدفعها إلى إقامة العدل ، والدعوة إلى إشاعة الإنصاف ، ومواجهة الظلم والظالمين.
بعد ذلك تشير الآيات إلى موقف الناس في مقابل الكتاب الأقوم ، هذا الموقف الذي ينقسم فيه الناس إلى فئتين ، فالاولى يكون حالها كما يقول تعالى : (وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).
أمّا الفئة الثانية فيكون مصيرها تبعاً لموقفها كما يقول تعالى : (وَأَنَّ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
وإذا كان استخدام «بشارة» واضح هنا بالنسبة للمؤمنين ، فهو بالنسبة لغيرهم من غير المؤمنين يقع على معنى السخرية والإستهزاء.
الآية التي بعدها تنساق في نفس اتجاه البحث وتشير إلى احدى العلل المهمة لعدم الإيمان وتقول بأنّ عجلة الإنسان وتسرّعه وعدم اطلاعه على الامور وإحاطته بها تسوقه إلى أن يساوي في جهده بين دعائه بالخير وطلبه ، وبين دعائه بالشر وطلبه له.
تقول الآية : (وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ). لماذا؟ : (وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولاً).
إنّ استعجال الإنسان واندفاعه في سبيل تحصيل المنافع لنفسه ، تقوده إلى النظرة السطحية للُامور بحيث إنّه لا يحيط الأشياء بالدراسة الشاملة مما يفوّت عليه تشخيص