لقد تحدّثت الآيات القرآنية السابقة عن القضايا التي تتصل بالمعاد والحساب ، لذلك فإنّ الآيات التي نبحثها الآن تتحدّث عن قضية «حساب الأعمال» التي يتعرض لها البشر ، وكيفية ومراحل إنجاز ذلك في يوم المعاد والقيامة حيث يقول تعالى : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنهُ طِرَهُ فِى عُنُقِهِ). «الطائر» : يعني الطير ، ولكن الكلمة هنا تشير إلى معنى آخر كان سائداً ومعروفاً بين العرب ؛ إذ كانوا يتفألون بواسطة الطير ؛ وكانوا يعتمدون في ذلك على طبيعة الحركة التي يقوم بها الطير. فمثلاً إذا تحرّك الطير من الجهة اليمنى ، فهم يعتبرون ذلك فألاً حسناً وجميلاً ، أمّا إذا تحرّك الطير من اليُسرى فإنّ ذلك في عُرفهم وعاداتهم علامة الفأل السيّء ، أو ما يعرف بلغتهم بالتطيّر.
إنّ القرآن يبيّن أنّ التفؤل الحسن والسيّء أو الحظ النحس والجميل ، إنّما هي أعمالكم لا غير ، والتي ترجع عهدتها إليكم وتتحملون على عاتقكم مسؤولياتها ، وهذه الأعمال لا تنفصل عنكم في الدنيا ولا في الآخرة.
يقول القرآن بعد ذلك : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيمَةِ كِتَابًا يَلْقهُ مَنشُورًا).
والمقصود من «الكتاب» في الآية الكريمة هي صحيفة الأعمال لا غير ، وهي نفس الصحيفة الموجودة في هذه الدنيا والتي تثبّت فيها الأعمال ، ولكنها هنا (في الدنيا) مخفية عنّا ومكتومة ، بينما في الآخرة مكشوفة ومعروفة.
في هذه اللحظة يقال للإنسان : (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).
يعني أنّ المسألة ـ مسألة المصير ـ بدرجة من الوضوح والعلنية والإنكشاف ، بحيث لا مجال لانكارها.
وفي تفسير العياشي عن الإمام الصادق عليهالسلام في قوله (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ) قال : «يذكر العبد جميع ما عمل ، وما كتب عليه ، حتى كأنّه فعله تلك الساعة ، فلذلك قالوا يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّاأحصاها».
الآية التي بعدها توضّح أربعة أحكام أساسية فيما يخص مسألة الحساب والجزاء على الأعمال ، وهذه الأحكام هي :
١ ـ أوّلاً تُقرر أنّ (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ) حيث تعود النتيجة عليه.
٢ ـ ثم تُقرر أيضاً أنّ (وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا).
وقرأنا نظير هذين الحكمين في الآية السابعة من هذه السورة في قوله تعالى : (إِنْ