ثانيا : إنّ جميع الأشخاص ـ رغم سعيهم الدنيوي ـ لا يحصلون على هذا المقدار ، وإنّما قسم منهم سيحصل على جزء من متاع الدنيا. وهذا معنى قوله : (لِمَن نُّرِيدُ).
وبناءاً على ذلك ، فلا كل طلّاب الدنيا يحصلون عليها ، ولا اولئك الذين يحصلون على شيء منها ، يحصلون على ما يريدون. ومسار الحياة اليومية يوضّح لنا هذين الشرطين ، إذ ما أكثر الذين يكدّون ليلاً ونهاراً ولكنهم لا يحصلون على شيء.
وما أكثر الذين لهم امنيات كبيرة وطموحات متعددة ومشاريع بعيدة ، ولكن لا يحصلون إلّاعلى القليل منها.
والجدير بالإنتباه هنا ، أنّ عاقبة هذه المجموعة من الناس ، والتي هي نار جهنّم ، قد تمّ تأكيدها في الآية ، بكلمتي (مَذْمُومًا) و (مَّدْحُورًا) إذ التعبير الأوّل يأتي بمعنى اللوم ، بينما الثاني يعني الإبتعاد عن رحمة الخالق ، وإنّ نار جهنّم تمثّل العقاب الجسدي لهم ، أما «مذموم» و «مدحور» فهما عقاب الروح ، لأنّ المعاد هو للروح وللجسد ، والجزاء والعقاب يكون للإثنين معاً.
بعد ذلك تنتقل الآيات إلى توضيح وضع المجموعة الثانية ومصيرها ، وبقرينة المقابلة ـ وهي أسلوب قرآني مميّز ـ يتوضّح الموضوع أكثر إذ يقول تعالى : (وَمَنْ أَرَادَ الْأَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَشْكُورًا).
بناءاً على ذلك هناك ثلاثة شروط أساسية للوصول إلى السعادة الأبدية ، هي :
أوّلاً : إرادة الإنسان : وهي الإرادة التي ترتبط بالحياة الأبدية ، ولا تكون مرتبطة باللذّات الزائلة والنعم غير الثابتة ، والأهداف المادية.
ثانياً : هذه الإرادة يجب أن لا تكون ضعيفة وقاصرة في المجال الفكري والروحي للإنسان ، بل إنّها يجب أن تشمل جميع ذرات الوجود الإنساني ، وتدفعه للحركة ، وببذل كل ما يستطيع من السعي في هذا المجال.
ثالثاً : إنّ كل ما سبق من حديث عن الإرادة في النقطتين السابقتين ، ينبغي أن يقترن بالإيمان ؛ الإيمان الثابت القوي. لأنّ أيّ تصميم وجهد ، إذا أريد له أن يُثمر يجب أن تكون أهدافه صحيحة ، ومصدر هذه الأهداف هو الإيمان بالله لا غير.
وقد يتوهم البعض ويلتبس عليه الأمر ، ظانّاً أنّ نعم الدنيا هي من نصيب عبيدها وطلّابها فقط ، وأنّ طلّاب الآخرة وأهلها محرومون منها ، لذلك فإنّ الآية التي بعدها تقف