لم تقل الآية : لا تزنوا ، بل قالت : لا تقربوا هذا العمل الشائن ، وهذا الاسلوب في النهي فضلاً عمّا يحمله من تأكيد ، فإنّه يوضّح أنّ هناك مقدمات تجر إلى الزنا ينبغي تجنّبها وعدم مقاربتها ، فخيانة العين تعتبر واحدة من المقدمات ، والسفور والتعرّي مقدمة اخرى ، الكتب السيئة والأفلام الملوّثة والمجلات الفاسدة ومراكز الفساد كل واحدة مِنها تعتبر مقدمة لهذا العمل.
كذلك فإنّ الخلوة بالأجنبية (يعني خلوة المرأة والرجل الأجنبي في مكان واحد ولوحدهما) يعتبر عاملاً في إثارة الشهوة.
وأخيراً فإنّ امتناع الشباب عن الزواج خاصة مع ملاحظة الصعوبات الموضوعة أمام الطرفين ، هي من العوامل التي قد تؤدّي إلى الزنا. والآية نهت عن كل ذلك بشكل بليغ مختصر ، ولكنّا نرى في الأحاديث والروايات نهياً مفصّلاً عن كل واحدة من هذه المقدمات.
فلسفة تحريم الزنا : يمكن الإشارة إلى ثلاثة عوامل في فلسفة تحريم الزنا ، هي :
١ ـ شياع حالة الفوضى في النظام العائلي ، وانقطاع العلاقة بين الأبناء والآباء ، هذه الرابطة التي تختص بكونها سبباً للتعارف الاجتماعي ، بل إنّها تكون سبباً لصيانة الأبناء.
إنّ العلاقات الاجتماعية القائمة على أساس العلاقات العائلية ستتعرض للانهيار والتصدّع إذا شاع وجود الابناء غير الشرعيين «أبناء الزنا».
وعلاوة على ذلك ، فإنّهم سيحرمون من الحبّ الاسري الذي يعتبر عاملاً في الحدّ من الجريمة في المجتمع الإسلامي ، وحينئذ يتحوّل المجمتع الإنساني بالزنا إلى مجتمع حيواني تغزوه الجريمة والقساوة من كل جانب.
٢ ـ لقد أثبت العلم ودلّت التجارب على أنّ إشاعة الزنا سبب لكثير من الأمراض والمآسي الصحية وكل المعطيات تشير إلى فشل مكافحة هذه الأمراض من دون مكافحة الزنا. (يمكن أن تلاحظ موجات مرض الإيدز في المجتمعات المعاصرة ، ونتائجها الصحية والنفسية المدمّرة).
٣ ـ يجب أن لا ننسى أنّ هدف الزواج ليس إشباع الغريزة الجنسية وحسب ، بل المشاركة في تأسيس الحياة على أساس تحقيق الإستقرار الفكري والأنس الروحي للزوجين. وأمّا تربية الأبناء والتعامل مع قضايا الحياة ، فهي آثار طبيعية للزواج ، وكل هذه الامور لا يمكن لها أن تثمر من دون أن تختص المرأة بالرجل ، وقطع دابر الزنا وأشكال المشاعيّة الجنسية.