طريق الحق إذا استبانت له أدلته كما في هذا النوع من الأدلة القرآنية ، بالرغم من أنّها تؤدّي بمجموعة اخرى من فاقدي بصيرة القلب إلى المزيد من العناد.
الآية التي بعدها تشير إلى واحد من أدلة التوحيد والذي يعرف بين العلماء والفلاسفة بعنوان دليل التمانع إذ الآية تقول للنبي صلىاللهعليهوآله : قل لهم : (قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُءَالِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَّابْتَغَوْا إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلاً).
وبما أنّ كل صاحب قدرة يسعى لمدّ قدرته وتكميلها ، لذا فإنّ وجود عدّة آلهة يؤدّي إلى التنازع والتمانع فيما بينهم حول الحكم والسلطة في عالم الوجود.
وبما أنّ كلام المشركين وعباراتهم توحي بأنّهم نزلوا في إدراكهم لله عزوجل إلى مستوى أن يكون طرفاً للنزاع ، لذا فإنّ الآية تقول بعد ذلك مباشرة : (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا).
ثم لأجل إثبات عظمة الخالق وأنّه منزّه عن خيالات واعتقادات وأوهام المشركين ، تتحدث الآية التالية عن تسبيح كائنات الوجود لذاته المقدّسة إذ تقول : (تُسَبّحُ لَهُ السَّموَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ). ثم تتطرق الآية إلى أنّ التسبيح لا يقتصر على ما هو موجود في السماوات والأرض ، وإنّما ليس هناك موجود إلّاويسبّح ويحمد الله ، ولكن لا تدركون تسبيحهم : (وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِن لَّاتَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ). ومع ذلك : (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا). أي : لا يؤاخذكم ولا يعاقبكم بسبب كفركم وشرككم مباشرة ، ولكن يمهلكم بالقدر الكافي ، ويفتح لكم أبواب التوبة ويتركها مفتوحة لإتمام الحجة.
(وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً (٤٥) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً (٤٦) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) (٤٨)
سبب النّزول
في تفسير مجمع البيان : قيل : نزل قوله (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ) الآية في قوم كانوا يؤذون