النبي صلىاللهعليهوآله بالليل إذا تلا القرآن وصلّى عند الكعبة ، وكانوا يرمونه بالحجارة ويمنعونه عن دعاء الناس إلى الدين ، فحال الله سبحانه بينه وبينهم حتى لا يؤذوه.
وروي ـ في تفسير الكبير ـ عن ابن عباس ، أنّ أبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا جهل وغيرهم كانوا يجالسون النبي صلىاللهعليهوآله ويستمعون إلى حديثه ، فقال النضر يوماً : ما أدري ما يقول محمّد غير أنّي أرى شفتيه تتحركان بشيء. وقال أبو سفيان : إنّي لأرى بعض ما يقوله حقّاً. وقال أبو جهل : هو مجنون. وقال أبو لهب : هو كاهن. وقال حويطب بن عبد العزى : هو شاعر. فنزلت هذه الآية : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ ...».
التّفسير
المغرورون وموانع المعرفة : بعد الآيات السابقة قد يطرح الكثيرون هذا السؤال : رغم وضوح قضية التوحيد بحيث إنّ جميع مخلوقات العالم تشهد بذلك ؛ فلماذا ـ إذن ـ لا يقبل المشركون هذه الحقيقة ولا ينصاعون للآيات القرآنية بالرغم من سماعهم لها؟
الآيات التي نبحثها يمكن أن تكون جواباً على هذا السؤال ، إذ تقول الآية الاولى : (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا). وهذا الحجاب والساتر هو نفسه التعصب واللجاجة والغرور والجهل ، حيث تقوم هذه الصفات بصدّ حقائق القرآن عن أفكارهم وعقولهم ولا تسمح لهم بدرك الحقائق الواضحة مثل التوحيد والمعاد وصدق الرسول في دعوته وغير ذلك.
أمّا الآية التي بعدها فتقول : (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىءَاذَانِهِمْ وَقْرًا). أي : إنّنا غطّينا قلوبهم بأستار لكي لا يفهموا معناه ، وجعلنا في آذانهم ثقلاً. لذلك فإنّهم : (وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِى الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا).
ثم يضيف الله تبارك وتعالى مرّة اخرى : (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ). أي : إنّ الله تعالى يعلم الغرض من استماعهم لكلامك وحضورهم في مجلسك و (إِذْ هُمْ نَجْوَى) يتشاورون ويتناجون (إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُورًا). إذ إنّهم لايأتون إليك من أجل سماع كلامك بقلوبهم وأرواحهم ، بل هدفهم هو التخريب ، وتصيّد الأخطاء.
الآية الأخيرة خطاب للنبي صلىاللهعليهوآله وبالرغم من أنّ عبارة الآية قصيرة ، إلّاأنّها كانت قاضية بالنسبة لهذه المجموعة حيث قالت : (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْامْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً). والآية لا تعني أنّ الطريق غير واضح والحق خاف ، بل على أبصارهم غشاوة ، وقلوبهم مغلقة دون الإستجابة للحق ، وعقولهم معطلة عن الهدى بسبب الجهل والحقد والتعصب والعناد.