وتجارتكم وتعينكم في كل ما يخصّ امور دنياكم ودينكم. أمّا لماذا؟ فلأنّ الله تبارك وتعالى (إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).
من هذا التوحيد الاستدلالي والذي يعكس جانباً صغيراً من نظام الخلق ، وعلم وقدرة وحكمة الخالق جلّ وعلا ، تنتقل الآية إلى اسلوب الاستدلال الفطري فتقول : لا تنسوا (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِى الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ).
حيث يضل أي شيء من دون الله ، لأنّ ضرر البحر إذا وقع ، كالطوفان وغيره يذهب بكل الحواجز وأستار التقليد والتعصب اللاصقة على صفاء الفطرة الإنسانية ، لينكشف نور الفطرة الذي هو نور التوحيد والإيمان والعبودية لله دون غيره.
إنّ الآية تعبّر عن قانون عام ، عرفه كل من جرّب ذلك ، حيث تؤدّي المشاكل والصعوبات الحادّة التي يمرّ بها الإنسان ـ ويصل السكين العظم ـ إلى الغاء كل الأسباب الظاهرية التي كان يتعلق بها الإنسان ، وتنعدم فاعلية العلل المادية التي كان يتشبث بها ، وتنقطع كل الأسباب ، إلّاالسبب الذي يصل الإنسان بمصدر العلم والقدرة المطلقتين ، والذي هو ـ لوحده سبحانه وتعالى ـ قادر على حلّ أعقد المشكلات.
ثم تضيف الآية : (فَلَمَّا نَجكُمْ إِلَى الْبَرّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا).
مرّة اخرى تغطّي حجب الغرور والغفلة والتعصّب هذا النور الإلهي ، ويغطّي غبار العصيان والذنوب وملاهي الحياة المادية فطرة الإنسان ووجدانه.
ولكن هل تظنون أنّ الله لا يستطيع أن ينزل بكم عقابه الشديد وأنتم على اليابسة وفي قلب الصحاري والبراري؟
لذلك تقول الآية : (أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرّ). ثم أضافت : (أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَاتَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً).
بعد ذلك تضيف الآية مذكّرة أمثال هؤلاء بأنّكم هل تظنون أنّ هذه هي المرّة الأخيرة التي تحتاجون فيها إلى السفر في البحر : (أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَاتَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) (١). أي : لا أحد حينئذٍ
__________________
(١) «حاصب» : تعني الهواء الذي يحرّك معه الأحجار الصغيرة.
«قاصف» : بمعنى المحطّم ، وهي هنا تشير إلى العاصفة الشديدة التي تقلع كل شيء من مكانه.
«تبيع» : بمعنى تابع ، وهي تشير هنا إلى الشخص الذي ينهض للمطالبة بالدم ، وثمن الدم والثأر ويستمر في ذلك.