وبالفعل فقد دعا عليهم ، فنزل عليه الوحي وحدّد له وقت حلول العذاب الإلهي بهم ، ومع حلول موعد نزول العذاب ، رحل يونس ـ بمعيّة الرجل العابد ـ عن قومه وهو غاضب عليهم ، ووصل إلى ساحل البحر ، وشاهد سفينة عند الساحل غاصّة بالركاب فطلب منهم السماح له بالصعود إليها.
وهذا ما أشارت إليه الآية التالية ، حيث قالت : (إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ).
«أبق» : مشتقة من «إباق» والتي تعني فرار العبد من سيّده ، إنّها لعبارة عجيبة ، إذ تبيّن أنّ ترك العمل بالأولى من قبل الأنبياء العظام ذوي المقام الرفيع عند الله ، مهما كان بسيطاً فإنّه يؤدّي إلى أن يتّخذ الباريء عزوجل موقفاً معاتباً ومؤنّباً للأنبياء ، كإطلاق كلمة (الآبق) على نبيّه.
ومن دون أي شك فإنّ نبي الله يونس عليهالسلام ، معصوم عن الخطأ ، ولكن كان الأجدر به أن يتحمّل آلاماً اخرى من قومه ، وأن يبقى معه حتى اللحظات الأخيرة قبل نزول العذاب ، عسى أن يستيقظوا من غفلتهم ويتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى.
ووفق ما ورد في الروايات ، فقد صعد يونس عليهالسلام إلى السفينة ، ثم إنّ حوتاً ضخماً وقف أمام السفينة ، فاتحاً فمه وكأنّه يطلب الطعام ، فقال ركّاب السفينة أنّ هناك شخصاً مذنباً معنا يجب أن يكون طعام هذا الحوت ، ولم يجدوا سبيلاً سوى الإقتراع لتحديد الشخص الذي يرمى للحوت ، وعندما إقترعوا خرج اسم يونس.
وقد أشار القرآن المجيد في آية قصيرة إلى هذه الحادثة ، قال تعالى : (فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ).
«ساهم» : من مادة «سهم» وتعني إشتراكه في الإقتراع ، فالإقتراع تمّ على ظهر السفينة بالشكل التالي ، كتبوا اسم كل راكب على (سهم) ثم خلطوا الأسهم وسحبوا سهماً واحداً ، فخرج السهم الذي يحمل اسم يونس عليهالسلام.
«مدحض» : مشتقة من «دَحْض» وتعني إبطال مفعول الشيء أو إزالته أو التغلّب عليه ؛ والمراد هنا أنّ إسمه ظهر في عملية الإقتراع من بين بقية الأسماء.
وقال القرآن الكريم : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ). أي إنّ حوتاً عظيماً التقمه وهو مستحق للملامة.
«التقم» : مشتقة من «الإلتقام» وتعني (البلع).