«مليم» : من مادة «لوم» وتعني التوبيخ والعتب.
ومن المسلّم أنّ هذه الملامة لم تكن بسبب إرتكابه ذنباً كبيراً أو صغيراً وإنّما بسبب تركه العمل بالأولى ، وإستعجاله في ترك قومه وهجرانهم.
في تفسير الدرّ المنثور : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «لما» أراد الله حبس يونس عليهالسلام في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت : أن خذه ولا تخدش له لحماً ولا تكسر له عظماً.
يونس عليهالسلام إنتبه بسرعة للحادث ، وتوجّه على الفور إلى الله سبحانه وتعالى وتكامل وجوده مستغفراً الله على تركه العمل بالأولى ، وطالباً العفو منه.
ونقلت الآية (٨٧) في سورة الأنبياء صورة توجّه يونس عليهالسلام بالدعاء الذي يسمّيه أهل العرفان باليونسية. قال تعالى : (فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَن لَّاإِلهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
إعتراف يونس الخالص بالظلم ، وتسبيحه الله المرافق للندم أدّى مفعوله ، إذ إستجاب الله له وأنقذه من الغم ، كما جاء في الآية (٨٨) من سورة الأنبياء : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنهُ مِنَ الْغَمّ وَكَذلِكَ نُنْجِى الْمُؤْمِنِينَ).
ونلاحظ الآن ماذا تقول الآيات بشأن يونس عليهالسلام. قال تعالى : (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
أي لو لم يكن من المسبّحين لأبقيناه في بطن الحوت حتى يوم القيامة ، ويعني تبديل سجنه المؤقّت إلى سجن دائم ، ومن ثم تبديل سجنه الدائم إلى مقبرة له.
ويضيف القرآن ، وقد ألقينا به في منطقة جرداء خالية من الأشجار والنباتات ، وهو مريض : (فَنَبَذْنهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ).
فالحوت الضخم لفظ يونس ـ الذي لم يكن غذاءً صالحاً لذلك الحوت ـ على ساحل خالٍ من الزرع والنبات ، والواضح أنّ ذلك السجن العجيب أثّر على سلامة وصحّة جسم يونس ، إذ أنّه تحرّر من هذا السجن وهو منهار ومعتل.
كانت حرارة الشمس تؤذيه ، فيحتاج إلى ظلّ لطيف يظلّل جسده. والقرآن هنا يكشف عن هذا اللطف الإلهي بالقول ، إنّنا أنبتنا عليه شجرة قرع ليستظلّ بأوراقها العريضة والرطبة : (وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ).
«اليقطين» : تعني كل نبات لا ساق له وله أوراق كبيرة ، مثل نبات البطّيخ والقرع والخيار