فأسقطه من فرسه مضرّجاً بدمه خلال إحدى المعارك.
أمّا من حيث قدرته السياسية ، فقد كانت حكومته قويّة ومستعدّة دائماً لمواجهة الأعداء ، بكل قوّة وإقتدار ، حتى قيل أنّ الآلاف من جنده كانت تقف على أهبة الإستعداد من المساء حتى الصباح في أطراف محراب عبادته.
ومن حيث قدرته الأخلاقية والمعنوية والعبادية ، فإنّه كان يقوم معظم الليل في عبادة الله ، ويصوم نصف أيّام السنة.
وأمّا من حيث النعم الإلهية ، فقد أنعم عليه الباريء عزوجل بالكثير من النعم الظاهرية والباطنية.
خلاصة الحديث ، إنّ داود كان رجلاً ذا قوّة وقدرة في الحروب والعبادات والعلم والمعرفة وفي السياسة ، وكان أيضاً صاحب نعمة كبيرة (١).
فإنّ الآيات الآنفة بعد أن تطرّقت بصورة موجزة إلى نعم الله على داود ، تشرح أنواعاً من تلك النعم. قال تعالى : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبّحْنَ بِالْعَشِىّ وَالْإِشْرَاقِ).
كذلك سخّرنا له مجاميع الطيور كي تسبّح الله معه : (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً).
فكل الطيور والجبال مسخّرة لداود ومطيعة لأوامره ، وتسبّح معه الباريء عزوجل ، وتعود إليه ، (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ).
إنّ تسبيحها كان توأماً مع صوت ظاهري ، مرافقاً لنوع من الإدراك والشعور الذي هو في باطن ذرّات العالم ، وطبقاً لهذا الإحتمال ، فإنّ كل موجودات العالم تتمتّع بنوع من العقل والشعور ، وحينما تسمع صوت مناجاة هذا النبي الكبير تردّد معه المناجاة ، ليمتزج تسبيحها مع تسبيح داود عليهالسلام.
وتواصل الآية التالية إستعراض نعم الله على داود عليهالسلام ، قال تعالى : (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ).
أي : ثبّتنا وأحكمنا مملكته ، بحيث كان العصاة والطغاة من أعدائه يحسبون لمملكته ألف حساب لقوّتها.
وإضافة إلى هذا فقد آتيناه الحكمة والعلم والمعرفة (وَءَاتَيْنهُ الْحِكْمَةَ).
(الحكمة) هنا تعني العلم والمعرفة وحسن تدبير امور البلاد ، أو مقام النبوّة ، أو جميعها.
__________________
(١) «أيد» : جمع «يد» ، وقد إستعملت هنا لكونها مظهر القوّة والنعمة والملك ، وقد حملت كل هذه المعاني هنا.