وأمّا (ذو الكفل) فهو أيضاً معروف بأنّه أحد أنبياء الله ، وذكره ورد مع أنبياء آخرين في الآية (٨٥) من سورة الأنبياء.
(هذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (٤٩) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (٥٠) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (٥١) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (٥٢) هذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (٥٣) إِنَّ هذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) (٥٤)
هذا ما وُعد به المتّقون : آيات هذه السورة إنتقلت بنا إلى شكل آخر من الحديث ، إذ أخذت تقارن بين المتّقين والعصاة المتجبّرين ، وتشرح مصير كل منهما يوم القيامة ، وهي بصورة عامّة تكمل بحوث الآيات السابقة. في البداية ، وكخلاصة لشرح حال الأنبياء السابقين والنقاط المضيئة في حياتهم ، تقول الآية : (هذَا ذِكْرٌ).
لم يكن الهدف من بيان مقاطع من تاريخ اولئك الأنبياء الرائع والمثير سرد بعض القصص ، وإنّما الهدف الذكر والتذكّر ، كما أكّدت عليه بداية هذه السورة.
فالهدف هو إيقاظ الأفكار ، ورفع المستوى العلمي ، وزيادة قوّة المقاومة والصمود لدى المسلمين الذي نزلت إليهم هذه الآيات.
ثم أخرجت الامور من طابعها الخاصّ وبيان أوضاع وأحوال الأنبياء ، إلى طابعها العام ، لتشرح بصورة عامة مصير المتقين ، إذ تقول : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَابٍ).
بعد هذه الآية القصيرة ، يعمد القرآن المجيد مجدّداً إلى اتّباع اسلوبه الخاص ، وهو اسلوب الإيجاز والتفصيل ، ليشرح ما فاز به المتقون : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ).
عبارة (مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَابُ) إشارة إلى أنّهم لا يتكلّفون حتى بفتح أبواب الجنة ، إذ أنّها تنفتح بدون عناء لإستقبال أهل الجنة ، إذ إنّ الجنة بإنتظارهم ، وعندما تراهم تفتح لهم أبوابها وتدعوهم للدخول إليها.
ثم تبيّن الهدوء والسكينة التي تحيط بأهل الجنة ، إذ تقول : (مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ).
بعد هذا تتطرّق الآيات للزوجات الصالحات في الجنة ، إذ تقول : (وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ).