ثم يشير إلى التهمة التي طالما وجهها المشركون والمنافقون إلى هذا الكتاب السماوي العظيم حيث قالوا : إنّ هذا الكتاب من تأليف محمّد. وقد إدّعى كذباً بأنّه من الله : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَيهُ). فيقول جواباً على إدّعاء هؤلاء الزائف : (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبّكَ). وأدلّة أحقّيته واضحة وبيّنة فيه من خلال آياته.
ثم يتطرق إلى الهدف من نزوله ، فيقول : (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).
جملة (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) إشارة إلى أنّ القرآن يهيّء أرضية الهداية ، إلّاأنّ التصميم واتّخاذ القرار النهائي موكول ومرتبط بنفس الإنسان.
إنّ المراد من «النذير» هنا النبي الكبير الذي يوضّح ويبيّن دعوته مقرونة بالمعجزات وفي محيط واسع ، ومعلوم أنّ مثل هذا النذير لم يقم في الجزيرة العربية وبين قبائل مكة.
بعد بيان عظمة القرآن ورسالة النبي صلىاللهعليهوآله تطرقت الآية التالية إلى أساس آخر من أهم اسس ودعائم العقائد الإسلامية ، فتقول : (اللهُ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ). والمراد من (سِتَّةِ أَيَّامٍ) في هذه الآيات : ستّ مراحل.
وبعد مسألة الخلق تتطرق الآية إلى مسألة حاكمية الله سبحانه على عالم الوجود ، فتقول : إنّ الله تعالى بعد ذلك استوى على عرش قدرته وسيطر على جميع الكائنات : (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ).
«العرش» : تعني في الأصل الكراسي الطويلة القوائم ، وتأتي عادة كناية عن القدرة.
إنّ استواء الله على العرش بمعنى أنّه خالق عالم الوجود ، وكذلك الحاكم على كل العالم.
وتكمّل الآية مراحل التوحيد بالإشارة إلى توحيد «الولاية» و «الشفاعة» ، فتقول : (مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِىّ وَلَا شَفِيعٍ).
والمراد من «الشفيع» هنا : الناصر والمعين ، ونحن نعلم أنّ الناصر والولي والمعين هو الله وحده.
فمع هذا الدليل الواضح ، فلماذا تنحرفون وتضلّون وتتمسّكون بالأصنام؟ (أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ).
إنّ المراحل الثلاث للتوحيد التي انعكست في الآية أعلاه يعتبر كل منها دليلاً على الاخرى ، فتوحيد الخالقية دليل على توحيد الحاكمية ، وتوحيد الحاكمية دليل على توحيد