الآفاقية عن عدة أقسام للتوحيد ، فإنّه يتحدث هنا عن عدة مواهب عظيمة في مورد البشر : يقول أوّلاً : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسنِ مِن طِينٍ). ليبيّن عظمة وقدرة الله سبحانه ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر يحذّر الإنسان ويذكّره من أين أتيت ، وإلى أين ستذهب؟!
ومن المعلوم أنّ هذه الآية تتحدث عن خلق آدم ، لا كل البشر ، لأنّ استمرار نسله قد ذكر في الآية التالية ، وظاهر هذه الآية دليل واضح على خلق الإنسان بشكل مستقل ، قد تمّ من الطين مباشرة وبدون واسطة.
ثم تشير الآية بعدها ، إلى خلق نسل الإنسان ، وكيفية تولد أولاد آدم في مراحل ، فتقول : (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِّن سُللَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ).
«جعل» : هنا بمعنى الخلق ؛ و «النسل» : بمعنى الأولاد والأحفاد في جميع المراحل.
«السلالة» : في الأصل ، بمعنى العصارة الخالصة لكل شيء ، والمراد منها هنا نطفة الإنسان التي تعتبر عصارة كل وجوده ، ومبدأ حياة وتولد الذرية واستمرار النسل.
«مهين» : التي تعني الضعيف إشارة إلى وضعه الظاهري ، وإلّا فإنّه من أعمق أسرار الموجودات.
وتشير الآية التالية إلى مراحل تكامل الإنسان المعقّدة في عالم الرحم ، وكذلك المراحل التي طواها آدم عند خلقه من التراب ، فتقول : (ثُمَّ سَوَّيهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصرَ وَالْأَفِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ).
«سوّيه» : من التسوية ، أي الإكمال ، وهذه إشارة إلى مجموع المراحل التي يطويها الإنسان من حال كونه نطفة إلى المرحلة التي تتّضح فيها جميع أعضاء بدنه ، وكذلك المراحل التي طواها آدم بعد خلقه من التراب حتى نفخ الروح.
والتعبير ب «النفخ»كناية عن حلول الروح في بدن الإنسان ، لأنّ النطفة عندما تنعقد في البداية ليس لها إلّانوعاً من «الحياة النباتية» ، أي التغذية والنمو فقط ، أمّا الحس والحركة التي هي علامة «الحياة الحيوانية» ، وكذلك قوة الإدراكات التي هي علامة الحياة الإنسانية ، فلا أثر عن كل ذلك.
إنّ تكامل النطفة في الرحم تصل إلى مرحلة تبدأ عندها بالحركة ، وتحيا وتنبعث فيها القوى الإنسانية الاخرى تدريجياً ، وهذه هي المرحلة التي يعبّر عنها القرآن بنفخ الروح.
أمّا إضافة «الروح» إلى «الله» فهي «إضافة تشريفية» ، أي إنّ روحاً ثمينة وشريفة بحيث