إنّ العناد في مقابل الحق يشكّل ستاراً مظلماً حول فكر الإنسان ، ويسلب منه قابليته على التشخيص الهادي الصحيح.
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) (٣٧)
أريد أن أطّلع إلى إله موسى : بالرغم من النجاح الذي أحرزه مؤمن آل فرعون في إثناء عزم فرعون عن قتل الكليم عليهالسلام ، إلّاأنّه لم يستطع أن يثنيه عن غروره وتكبّره وتعاليه إزاء الحق. يقول تعالى في وصف هذا الموقف : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا همنُ ابْنِ لِى صَرْحًا لَّعَلّى أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ). أي لعلي أحصل على وسائل وتجهيزات توصلني إلى السماوات.
(أَسْبَابَ السَّموَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلهِ مُوسَى وَإِنّى لَأَظُنُّهُ كذِبًا).
ولكن ماذا كانت النتيجة؟! (وَكَذلِكَ زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِى تَبَابٍ).
«الصرح» : في الأصل تعني الوضوح ؛ و «التصريح» : بمعنى التوضيح ، ثم عُمّم معنى الكلمة على الأبنية المرتفعة والقصور الجميلة العالية ؛ و «تباب» : تعني الخسارة والهلاك.
فمن خلال عملية التأمّل والتمحيص ، يمكن أن تنتهي إلى ثلاثة أهداف كانت تكمن وراء هذا التصرف. والأهداف هذه هي :
أوّلاً : أراد فرعون أن يختلق وضعاً يعمد من خلاله إلى إلهاء الناس وصرف أذهانهم عن قضية نبوّة موسى عليهالسلام وثورة بني إسرائيل.
ثانياً : استهدف فرعون من خلال تنفيذ مشروع الصرح اشتغال أكبر قطّاع من الناس ، وعلى الأخص العاطلين منهم ، لكي يجد هؤلاء في هذا الشغل عزاءً ـ ولو مؤقتاً ـ عن مظالم فرعون وينسون جرائمه وظلمه ، ومن ناحية ثانية فإنّ اشتغال مثل هذا العدد الكثير يؤدّي إلى إرتباطهم بخزانة فرعون وأمواله ، وبالتالي إرتباطهم بنظامه وسياساته.
ثالثاً : لقد كان من خطة فرعون بعد انتهاء بناء الصرح ، أن يصعد إلى أعلى نقطة فيه ، ويرمق السماء ببصره ، أو يرمي سهماً نحو السماء ، ويرجع إلى الناس فيقول لهم : لقد انتهى كل