وهنا نلفت النظر إلى الملاحظتان الآتيتان :
أوّلاً : تقول الآية : إنّهم يعرضون على النار صباحاً ومساءً ، ثم تقول : في يوم القيامة يكون العذاب أشد ما يمكن ، وهذا دليل على أنّ العذاب الأوّل يختص بعالم البرزخ ، وهو ممّا يلي موت الإنسان ومغادرة روحه جسده ، ويقع قبل يوم القيامة ، إنّ العرض على نار جهنم يهزّ الانسان ويجعله يرتعد خوفاً وهلعاً.
ثانياً : إنّ تعبير ب (الغدو) و (العشي) قد تكون فيه إشارة إلى استمرار العذاب. أو قد يفيد انقطاع العذاب البرزخي ليقتصر على (الغدو) و (العشي) أي الصبح والمساء ، وهو الوقت الذي يقترن في حياة الفراعنة وأصحابهم مع أوقات لهوهم واستعراضهم لقوّتهم وجبروتهم في حياتهم الدنيا.
(وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (٤٨) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ (٤٩) قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) (٥٠)
نقاش الضعفاء والمستكبرين في جهنم : لقد لفت مؤمن آل فرعون في نهاية كلامه نظر القوم إلى القيامة والعذاب وجهنم ، لذلك جاءت هذه المجموعة من الآيات الكريمة وهي تقف بشكل رائع دقيق على تحاجج وتخاصم أهل النار فيما بينهم ، وبالذات تحاجج المتستضعفين مع المستكبرين. يقول تعالى : (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفؤُا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مّنَ النَّارِ).
المراد من «الضعفاء» هنا هم اولئك الذين يفتقدون العلم الكافي والإستقلال الفكري ، إذ كان هؤلاء يتبعون زعماء الكفر الذي يطلق عليهم القرآن اسم المستكبرين ، وكانت التبعية مجرد انقياد أعمى بلا تفكير أو وعي.
وهؤلاء الأتباع يلجأون إليهم كي يتحملوا عنهم قسطاً من العذاب؟