سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لَايَسْتَكْبِرُونَ) (١).
«خرّوا» : في الأصل من مادة «الخرير أي صوت الماء وأمثاله حين انحداره من مرتفع إلى منخفض ، واستعماله هذا التعبير في شأن الساجدين إشارة إلى أنّ هؤلاء ترتفع أصواتهم بالتسبيح في لحظة هويّهم إلى الأرض للسجود.
لقد بيّنت في هذه الآية أربع صفات :
١ ـ أنّهم يسجدون بمجرد سماعهم آيات الله. لقد ذكرت هذه الصفة والخاصية في سورة مريم الآية (٥٨) كأحد أبرز صفات الأنبياء ، كما يقول الله سبحانه في شأن جمع من الأنبياء العظام : (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْءَايَاتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا).
وبالرغم من أنّ الآيات هنا ذكرت بصورة مطلقة ، ولكن من المعلوم أنّ المراد منها غالباً الآيات التي تدعو إلى التوحيد ومحاربة الشرك.
٢ و ٣ ـ فهم ينزّهون الله تعالى عن النقائص من جهة ، ومن جهة اخرى فإنّهم يحمدونه ويثنون عليه لصفات كماله وجماله.
٤ ـ والصفة الاخرى لهؤلاء هي التواضع وترك كل أنواع التكبر.
ثم أشارت الآية الثانية إلى أوصاف هؤلاء الاخرى ، فقالت : (تَتَجَافِى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) (٢). فيقومون في الليل ، ويتّجهون إلى ربّهم ومحبوبهم ويشرعون بمناجاته وعبادته.
إنّ هؤلاء يستيقظون ويحيون قدراً من الليل في حين أنّ عيون الغافلين تغطّ في نوم عميق ، وحينما تتعطّل برامج الحياة العادية ، وتقلّ المشاغل الفكرية إلى أدنى مستوى ، ويعمّ الهدوء والظلام كل الأرجاء ، ويقلّ خطر التلوّث بالرياء في العبادة. والخلاصة : عند توفّر أفضل الظروف لحضور القلب ، فإنّهم يتّجهون بكل وجودهم إلى معبودهم ، ويخبرونه بما في
__________________
(١) ينبغي الإلتفات إلى أنّ الآية الاولى هي اولى السجدات الواجبة في القرآن الكريم ، وإذا ما تلاها أحد بتمامها ، أو سمعها من آخر فيجب أن يسجد. طبعاً لا يجب فيها الوضوء ، لكن يجب الإحتياط في وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه.
(٢) «تتجافي» : من مادة «جفا» وهي في الأصل بمعنى القطع والحمل والإبعاد ؛ و «الجنوب» : جمع جنب ، وهوالجانب ؛ و «المضاجع» : جمع مضجع ، وهو محل النوم ، وإبعاد الجانب عن محلّ النوم كناية عن النهوض من النوم والتوجّه إلى عبادة الله في جوف الليل.