إنّه المكان الخالي من المعوّقات الصعبة ، متناسق في تشكيلته مع تكوين الإنسان الروحي والجسدي ، حيث تتوفر في الأرض المصادر المختلفة للحياة والوسائل المتنوعة والمجانية التي يحتاجها لمعيشته.
ثم تضيف الآية : (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً). أي كالسقف والقبة فوقكم.
والمقصود بالسماء هنا الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض.
ثم ينتقل الحديث من آيات الآفاق إلى آيات الأنفس ، فيقول تعالى : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ).
لقد ذهب بعض المفسرين في تفسير : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) إلى معنى أوسع من الصورة والشكل الظاهري والتكوين الداخلي ، فقال : إنّ المعنى يتضمّن كل الإستعدادات والأذواق التي خلقها الله في الإنسان وأودعها فيه ، ففضّله بها على كثير ممن خلق.
وفي آخر الحديث عن سلسلة هذه العطايا والمواهب الإلهية ، تتحدث الآية عن النعمة الرابعة ، وهي الرزق الطيّب بقوله تعالى : (وَرَزَقَكُم مّنَ الطَّيّبَاتِ).
«الطيبات» تشتمل على معنى وسيع جدّاً ، وهي تشمل الجيّد من الطعام واللباس والزوجة والمسكن والدواب ، وهي أيضاً تشمل الكلام والحديث الطيّب الزكي النافع.
بعد بيان هذه المجموعة الرباعية من النعم الإلهية ، تعود الآية للقول : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (١).
الآية التي بعدها تستمر في إثارة قضية توحيد العبودية من طريق آخر ، فتؤكّد انحصار الحياة الواقعية بالله تعالى وتقول : (هُوَ الْحَىُّ).
إنّ حياته عين ذاته ، ولا تحتاج إلى الغير. حياته (جلّ وتعالى) أبدية لا يطالها الموت ، بينما جميع الكائنات الحية تتمتع بحياة مقرونة بالموت وحياتها محدودة وموقتة تسترفد هذه الحياة من الذات المقدسة.
لذلك ينبغي للإنسان الفاني المحدود المحتاج أن يرتبط في عبادته بالحي المطلق ، من هنا تنتقل الآية مباشرة إلى تقرير معنى الوحدانية في العبودية من خلال قوله تعالى : (لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ).
__________________
(١) «ذلكم» : اسم إشارة للبعيد ، واستخدامها في مثل هذه الموارد كناية على العظمة وعلوّ المقام.