وعلى أساس هذه الوحدانية تتقرّر قضية اخرى يتضمّنها قوله تعالى : (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينِ).
ثم تنتهي الآية بقوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ).
والتعبير القرآني درس للعباد بأن يتوجّهوا بالشكر والحمد إلى الخالق جلّ وعلا دون غيره ، فهو جزيل العطايا كثير المواهب متواصل النعم على عباده ، خاصة نعمة الحياة والوجود بعد العدم.
الآية الأخيرة من المجموعة القرآنية ، هي في الواقع خلاصة لكل البحوث التوحيدية الآنفة ، وجاءت لكي تقضي على أدنى بارقة أمل قد يحتمل وجودها في نفوس المشركين ، إذ يقول تعالى موجّهاً كلامه إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله : (قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِىَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبّى).
ولم ينهاني ربّي عن عبادة غيره فحسب ، بل : (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ الْعَالَمِينَ).
إنّ أمثال هذه الصيغ والأساليب المؤثّرة يمكن أن نلمسها في كل مكان من كتاب الله العزيز ، فهي تجمع الليونة والأدب حتى إزاء الأعداء والخصوم ، بحيث لو كانوا يملكون أدنى قابلية لقبول الحق فسيتأثرون بالاسلوب المذكور.
(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٦٨)
المراحل السبع لخلق الإنسان : تتميماً لما تحدّثت به الآيات السابقة عن قضية التوحيد ، تستمر الآيات التي بين أيدينا في إثارة نفس الموضوع من خلال الحديث عن «الآيات الأنفسية» والمراحل التي تطوي خلق الإنسان وتطوّره ، من البدء إلى النهاية.
الآية الكريمة تتحدث عن سبع مراحل تكشف عن عظمة الخالق جلّ وعلا وجزيل مواهبه ونعمه على العباد. يقول تعالى : (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).